للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثاني]

عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ" لِلْمُحْرِمِ (١).

هذا الحديث مع حديث ابن عمر قبله، يرجعان إلى قاعدة مُجمَع عليها، وهي أنَّه مهما أمكن إعمالُ الأحاديث، وحملُ بعضها على بعض، كان أولى من إلغاء بعضها، أو نسخِه عند عدم تحقُّق النَّسخ، إذا ثبت هذا، فقد استدلَّ بهذا الحديث من لا يشترط القطع من الخفَّين عند عدم النَّعلين، فإنَّه مطلق بالنِّسبة إلى القطع وعدمه، وحملُ المطلق هاهنا على المقيَّد أولى؛ فإنَّ حديث ابن عمر المتقدِّمَ، مقيَّد فيه القطع، كيف ولفظه بصيغة الأمر، وذلك أمر زائد على الصِّيغة المطلقة، فإن لم يعمل بها، وأجزنا مطلق الخفَّين، كنَّا قد تركنا ما دلَّ عليه الأمر بالقطع، وهو غير شائع، وهذا خلاف ما لو كان المطلق والمقيَّد من جانب الإباحة؛ فإنَّ إباحة المطلق حينئذ ينتفي بزيادة ما دلَّ عليه إباحة المقيد، فإذا أخذنا بالزيادة، كان أولى؛ إذ لا معارضة بين إباحة المقيد وإباحة ما زاد عليه، فلبسُ السَّراويل إذا لم يجد إزارًا، يدلُّ هذا الحديث على جوازه من غير قطع، وهو قوي جدًّا إذا لم يرد بقطعه ما ورد في الخفين، فانتظم إعمال الحديثين من غير نسخ، والله أعلم.

* * *

[الحديث الثالث]

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ".


(١) رواه البخاري (١٧٤٤)، كتاب: الحج، باب: لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين، ومسلم (١١٧٨)، كتاب: الحج، باب: ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، وهذا لفظ البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>