للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثالث]

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا (١).

تقدم الكلام على ابن عباس، وهذا القبر الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أن يكون قبر السوداء التي كانت تَقُمُّ المسجد، ويحتمل غيره إلا أن يأتي بيان.

وبالجملة ففي الحديث دليل على جواز الصلاة على القبر بعد دفن الميت، وهو مذهب الشافعي وأصحابه وموافقيه، وسواء كان صلى عليه أم لا.

ومنعَ الصلاةَ على القبر أصحابُ مالك مستدلين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه القبورَ مملوءةٌ ظلمةً على أهلها، وإن الله تعالى ينورها بصلاتي عليهم" (٢)، فقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وغيره لا بعلمه مخصوصًا به، وهذا ليس بشيء لوجوه:

أحدها: إنا لا نسلم أن المراد بصلاته عليهم الصلاة المعهودة، وإن كان سياق الحديث يدل على إرادته، بل المراد مجرد الدعاء، فيكون دعاؤه بخصوصيته مجردًا عن الصلاة هو الذي يحصل تنويرها به لتحقق استجابته، لا مطلق الصلاة الذي هو المجموع، لكن يقال: استجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة أبلغ منها في غيرها.

الثاني: وإن كنا لم نعلم الخصوصية به لجواز الصلاة على القبر، لكنا نظنه، ونرجو فضل الله -سبحانه- ودعاء المسلمين لمن صلوا عليه.

الثالث: أنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال: "من صلى عليه مئةٌ -أو: أربعون- من المسلمين،


(١) رواه البخاري (١٢٦٢)، كتاب: الجنائز، باب: صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز، ومسلم (٩٥٤)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، وهذا لفظ مسلم.
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٣/ ١٥٠)، والدارقطني في "سننه" (٢/ ٧٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٤٦)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (٥/ ١١٧) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>