وكذلك اختلفوا في الهبة والرهن قبل القبض، والأصح عند الشافعي -رحمه الله تعالى-: المنع، ولا يجوز عندهم التولية والشركة قبل القبض، وأجازهما مالك، ومنع الإقالة.
ولا شك أن الشركة والتولية بيع، فيدخلان تحت الحديث، واستثنى مالك ذلك على خلاف القياس، وقد ذكر أصحابه في ذلك حديثًا يقتضي الرخصة فيه، واختلف الشافعية في تزويج الجارية المبيعة قبل قبضها على وجهين: والأصح عندهم: جوازه، والله أعلم.
* * *
[الحديث الخامس]
عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أنه سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ:"إن اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ؛ فَإنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، ويُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فقال:"لَا، هُوَ حَرَام"، ثُم قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ:"قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ! إنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأكَلُوا ثَمَنَهُ"(١).
تقدم الكلام على جابر وأبيه أوائل هذا الشرح.
وأمَّا قولهُ:(عامَ الفتحِ): فالمراد بالفتح: فتح مكة -زادها الله شرفًا-، وكان في أواخر رمضان، سنة ثمان من الهجرة، وإنما يذكر الصحابة -رضي الله عنهم- قوله - صلى الله عليه وسلم - مقيدًا بعام الفتح؛ لأنه كان في آخر أمره ومدة نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ تنبيهًا على ما كانوا يعتمدونه في الأحكام من الأخذ [بالآخر فالآخر] منها، فما كان آخرًا، كان ناسخًا لما قبله مما كان مخالفًا للأحدث، وذلك باب كبير من العلم، والله أعلم.