وفيه دليل على تتبع السنن، ومعرفة أوقاتها، والمحافظة عليها.
وفيه دليل على أن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - سنن عامة؛ كأقواله، وأنها شرع، ويحرم تقديم الأذان الثاني في رمضان على طلوع الفجر الثاني؛ لما يلزم منه من تحريم الأكل المحلَّل المشروع على الناس، وما كان وسيلة إلى الحرام، فهو حرام، بل إن اعتقد معتقد حل تقديمه إذا أوهم طلوع الفجر الثاني وتحريم السحور لا لمقصود شرعي، فهو كفر، والله أعلم، ولو فعل ذلك احتياطًا للصوم مع الاجتهاد التام في تحرير معرفة طلوعه، وخشي طلوعه من غير علمه لغيم أو تقصير فيه، فلا بأس به إذا لم يفحش، والله أعلم.
* * *
[الحديث الخامس]
عَنْ عَائِشَةَ وَأمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ (١).
تقدم الكلام على عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما -.
المقصود من ذكر هذا الحديث: الدلالة على صحة صوم الجنب، سواء كان من احتلام، أو جماع، وكان فيه اختلاف بين الصحابة والتابعين، فذهب أبو هريرة إلى أنه: من أدركه الصبح جنبًا، فلا يصم، ورواه عن الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه مالك، وقال: أفطر، فلما بلغه حديث عائشة وأم سلمة، رجع إليه، وترك حديث الفضل، ورآه منسوخًا؛ لأنه في أول الأمر حين كان الجماع محرمًا في الليل بعد النوم، كما كان الطعام والشراب محرمًا، ثم نسخ ذلك، ولم يعلمه أبو هريرة، فكان يفتي بما علمه حتى بلغه الناسخ، فرجع إليه، وهذا أحسن ما قيل فيه، ولذلك يقال جوابًا عمن قال به بعد أن بلغهم ورجعوا، قال طاوس، وعروة، والنخعي: إن علم بجنابته، لم يصح،
(١) رواه البخاري (١٨٢٥)، كتاب: الصوم، باب: الصائم يصبح جنبًا، ومسلم (١١٠٩)، كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب.