للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثامن]

عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَر، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلكَ، إلا حَارَ عَلَيْهِ" (١).

كذا عند مسلم والبخاري، [وورد عن الترمذي نحوه] (٢).

تقدم الكلام على أبي ذر.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليسَ من رجلٍ ادَّعى لغيرِ أبيهِ وهو يعلمُه إلَّا كفرَ"؛ أما "من": فهي زائدة في المعنى، والتقييد بالرجل: خرج مخرج الغالب، وإلا فالمرأة كذلك. ولا شك أن الانتفاء من النسب المعروف والاعتزاء إلى نسب غيره كبيرة؛ لما يتعلق به من المفاسد العظيمة. وقد تقدم ذكر بعضها قريبًا.

وشرطه - صلى الله عليه وسلم -: العلم؛ لأن الأنساب قد تتراخى فيها مدد الآباء والأجداد، ويتعذر العلم بحقيقتها، وقد يقع إخلال في النسب في الباطن من جهة النساء، فلا يشعر به. فشرط العلم لذلك؛ حيث إن الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء، والكفر هنا متروك الظاهر عند الجمهور، فيحتاجون إلى تأويله، وقد يؤوَّل بكفر الإحسان والنعمة، أو بأنه قاربَ الكفر؛ لعظم الذنب فيه؛ تسميةً للشيء باسم ما قاربه، أو يقال بتأويله على فاعل ذلك مستحلًا له.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومَنِ ادَّعى ما ليسَ له": يدخل فيه الدعاوى الباطلة كلُّها من المال والعلم والنسب وغير ذلك.

وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - عنه ذلك بأنه ليس منا، وجعل الوعيد عليه بالنار؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما


(١) رواه البخاري (٣٣١٧)، كتاب: المناقب، باب: نسبة اليمن إلى إسماعيل، ومسلم (٦١)، كتاب: الإيمان، باب: بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم.
(٢) ما بين معكوفين ليست في "ح".

<<  <  ج: ص:  >  >>