حديث آخر:"ليسَ لهُ إلَّا ذلكَ، أو يمينُه"، وهو راجع إلى ما ذكرناه.
وفي الحديث دليل؛ على أن الخصم إذا قال في خصمه كلامًا يلزم منه عدم مبالاته بالقسم باللهِ للحاكم، أنَّه لا يُعزر، وإنما يُذكر له عقوبةُ من فعل ما قاله له في الآخرة من غضب الربِّ -سبحانه وتعالى-.
وفيه دليل: على أن أحكام الدنيا المتنازَعَ فيها متعلقُها الظاهر، دون بواطنها، والله أعلم.
وفي دليل: على أن الحاكم أو المفتي إذا ذكر حكمًا من أحكام الشرع الدنيوية والأخروية، أن يستوفي شرائطَ الحكم بذكرها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلفَ على يمينٍ صبرٍ يقتطعُ بها مالَ أمريءٍ مسلمٍ، هو فيها فاجرٌ، لقيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ"، فذكر - صلى الله عليه وسلم - في الشروط الاقتطاع بغير حق، وكونه مال معصوم، وكون الحالف فاجرًا في يمينه، ثم ذكر الحكم، وهو غضب الله تعالى، يعني: عليه، نعوذ بالله من غضب الله.
وهذا الحكم مشروط بعدم التوبة الشرعية، أما إذا تاب بشروطها؛ من الندمِ، والإقلاع، والعزمِ على عدمِ العود إلى المعصية، والاستحلالِ منها إن كان صاحبها موجودًا، والكفارةِ إن كان لها كفارة، فإن ذلك كله سبب لرضا الرب -سبحانه وتعالى-، والله أعلم.
* * *
[الحديث السابع]
عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشجَرة، وَأَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غيرِ الإسْلَامِ كَاذِبًا مُتعمِّدًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتل نَفسَهُ بشِيءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَملِكُهُ (١).
(١) رواه مسلم (١١٠)، كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه.