وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، لا يقتضي لغة إتباعهما ليوم الجمعة، وإن اقتضاه عرفًا؛ فإنَّ القبلية والبعدية تصدق، وإن لم يكونا تباعًا له، خصوصًا على الحكمة في كونهما جبرًا لما وقع من التَّقصير فيه، أمَّا من علَّل بتخفيف المشقَّة، فلا يتاتَّى ذلك.
قال أصحاب الشَّافعي: يكره إفراد يوم السَّبت بالصَّوم؛ لهذا الحديث، وقد أخرجه أبو داود، والتِّرمذي، والنِّسائي، وابن ماجه، وابن حبَّان في "صحيحه"، وحسَّنه الترمذي، وقال النَّسائي: أحاديثه مضطربة، فيقتضي ذلك ضعفه عنده.
وقال أبو داود بعد روايته له: هذا الحديث منسوخ، ولعلَّ نسخه عنده بصوم السَّبت والأحد؛ لكونهما عيدين للمشركين. والمدعى إفراده بالصوم، فإذا صام الجمعة والسَّبت، زالت الكراهة فيهما، وكذا إذا صام السَّبت والأحد، زالت الكراهة اتِّفاقًا، والله أعلم.
وقد يقتضي هذا الحديث أنَّ العلَّة في النَّهي عن صوم الجمعة إفراده به بالقصد، ولا شكَّ أنَّ ذلك عامٌّ بالنِّسبة إلى كلِّ الأمة، وليس فيه دليل على جماعة غيره من الصَّوم وتخصيصه به، بل فيه دليل على جواز صوم غيره معه، إمَّا تباعًا، أو مفردًا على ما ذكرناه، والله أعلم.
* * *
الحديث السَّادس
عَنْ أَبي عُبَيْدٍ - مَوْلَى ابنِ أَزْهَرَ - واسمُهُ سَعْدُ بنُ عُبيدٍ، قالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخطَّاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فقال: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا؛ يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، واليَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ (١).
أمَّا أبو عبيد: فهو تابعي مدني ثقة، زهريٌّ، مولى عبد الرحمن بن أزهر بن
(١) رواه البخاري (١٨٨٩)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم الفطر، ومسلم (١١٣٧)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.