للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخنا أبو زكريا النووي - رحمه الله -: فإن قيل: قاله تهديدًا، قلنا: الأصل في كلام الشارع غير هذا، ويحمل عند إطلاقه صيغة (افعلْ) على الوجوب، أو الندب، فإن تعذر ذلك، فعلى الإباحة.

وأَمَّا قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"؛ فليس فيه أنه حرام؛ لأنَّ الجَوْرَ هو: الميل عن الاستواء والاعتدال، فكل ما خرج عن الاعتدال، فهو جَوْر، سواءٌ كان حرامًا، أو مكروهًا، وقد وضح ما قدَّمناه: أن قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي": دليل على أنه ليس بحرام، فيجب تأويل الجَوْر على أنه مكروه كراهة تنزيه، هذا آخر كلامه (١)، لكن الكلام الأول أمتن، والله أعلم.

ومنها: بداءة المشهود عليه الشاهد، بسؤال الشهادة عليه.

ومنها: نهي الشاهد المشهود عليه، إذا كان مخالفًا لقواعد الشرع.

ومنها: أنه إذا كان في إشهاد المشهود عليه وجه يجوز إشهاده مع مخالفة الأولى، فلا بأس أن يقول الشاهد: أَشْهِد على هذا غيري، إلَّا أن يكون الشاهد يعتقد التحريم، فلا يقول ذلك، والله أعلم.

* * *

[الحديث الثامن]

عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَن النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - عَامَلَ أَهلَ خَيبَرَ بشِطْرِ مَا يَخرُجُ مِنهَا، مِن ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ (٢).

أمَّا خيبر؛ فهي اسم لحصونٍ كانت لليهود، بينها وبين المدينة نحو أربع مراحل، والسلوك إليها من وراء أحد، غزاها رسول - صلى الله عليه وسلم - في أواخر المحرم سنة سبع من الهجرة، ومررتُ بطرفها راجعًا من المدينة -على ساكنها أفضل الصَّلاة والسلام- في أواخر ذي الحجَّة سنة خمس وسبعين وست مئة.


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ٦٧).
(٢) رواه البُخاريّ (٢٢٠٣)، كتاب: المزارعة، باب: المزارعة بالشطر ونحوه، ومسلم (١٥٥١)، كتاب: المساقاة، باب: المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>