للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمّا غزاها رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، فتح الله -عزَّ وجلَّ- عليه من حصونهم: حصن ناعم، والقموص، والشق، ونطاة، والكتيبة، فحاز أموالهم، واشتدّ الحصار على حصنين، وهما: الوطيح والسُّلالم، حتَّى أيقنوا بالهلكة، وسألوا أن يسترهم ويحقِنَ دماءهم، ويحلوا له الأموال، ثم سألوا أن يعاملهم في الأموال على النصف، فعاملهم على ذلك، على أنه متى شاء، أخرجهم، ولما بلغ ذلك أهل فدك، أرسلوا يسألونه في ذلك، وكانت هذه الحصون فيئًا للمسلمين، وكانت فدك خالصة له - صَلَّى الله عليه وسلم -، واستمر اليهود على هذه المعاملة، إلى أن مضى صدر من خلافة عمر - رضي الله عنه -، فبلغه ما قاله النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - في وجعه: "لا يجتمعن في جزيرةِ العربِ دينان" (١)، فجلاهم عنها.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: وقد اختلفوا في خيبر، هل فتحت صلحًا أو عنوة، أو بجلاء أهلها عنها بغير قتال، أو بعضها صلحًا، وبعضها عنوة؟ وبعضها جلا عنه أهله، أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة؟ وهذا أصحُّ الأقوال، وهي رواية مالك ومن تابعه، وبه قال ابن عيينة، قال: وفي كل قول أثر مروي.

وفي رواية لمسلم: أن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر، أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض -حين ظهر عليها- لله، ولرسوله - صَلَّى الله عليه وسلم -، وللمسلمين، وهذا دليل على أنها فتحت عنوة؛ إذ حقُّ المسلمين إنَّما هو في العنوة، وظاهر قول من قال: صلحًا: أنهم صولحوا على كون الأرض للمسلمين، والله أعلم (٢).

وأمَّا معاملته - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر؛ فحمله بعضهم على أنها كانت مساقاةً على النخل، وأن البياض المتخلل بين النخيل كان يسيرًا، فنفع للزراعة تبعًا للمساقاة، وذهب غيره إلى أن صورة هذه صورة المساقاة، وليست لها حقيقتها، وأن الأراضي كانت قد ملكت بالاغتنام، والقوم صاروا عبيدًا، فالأموال كلها


(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٢٧٤)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (١٠٦٦)، عن عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١٠/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>