عَنْ عَائشِةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ:"لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبيَائهِمْ مَسَاجِد"، قَالَتْ: وَلَوْلاَ ذَاكَ، أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا" (١).
أما قولها: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه"، فهو تنبيه على ما كانت الصحابة تعتمده من الأخذ بالآخر من قوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله، فنبهت - رضي الله عنها - على أن ذلك ليس من أمره المتقدم، بل هو من المتأخر عند موته.
وهذا الحديث يدل على امتناع اتخاذ قبر رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مسجدًا، ولم يفهم من ذلك امتناع الصلاة على قبره - صلى الله عليه وسلم -.
وقد اختلف العلماء في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بعد غسله وتكفينه وقبل دفنه، مع اتفاقهم على أنه غُسِّل وكُفِّن، فقالت طائفة: لم يصلِّ عليه أحدٌ أصلًا، وإنما كان الناس يدخلون أرسالًا يدعون وينصرفون، واختلف هؤلاء في علة ذلك، فقيل: لفضيلته، فهو غني عن الصلاة عليه، وهذا ينكسر بغسله، وقيل: بل لأنه لم يكن هناك إمام، وهذا غلط؛ فإن إمامة الفرائض لم تتعطل، ولأن بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - كانت قبل دفنه، وكان إمامَ الناس قبل الدفن.
والصحيح الذي عليه الجمهور أنهم صلوا عليه أفرادًا، فكان يدخل قوم يصلون فرادى ثم يخرجون، ثم يدخل فوج آخر فيصلون كذلك، ثم دخلت النساء بعد الرجال، ثم الصبيان، وإنما أخروا دفنه - صلى الله عليه وسلم - من يوم الاثنين إلى ليلة الأربعاء أو آخر نهار الثلاثاء؛ للانشغال بأمر البيعة؛ ليكون لهم إمام يرجعون إلى
(١) رواه البخاري (١٢٦٥)، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ومسلم (٥٢٩)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور.