للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فضيلة كانت في ذات العبادة ينبغي مراعاتها وتقديمها على كل فضيلة خارجة عنها، فالطواف قربَ البيت أفضلُ من البعد عنه، فإذا عارضه ما يمنع من الإتيان به في ذاته على الوجه المشروع، كان البعدُ عنه أفضلَ؛ محافظةً على المطلوب في ذات الطواف، ولا شك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل الوتر أول الليل وآخره كما في الحديث الصحيح في الكتاب، وأقر أبا بكر على فعله أوله، وعمر على فعله آخره، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: "أخذ هذا بالحذر"، وقال لعمر: "أخذ هذا بالقوة" بعد سؤاله - صلى الله عليه وسلم - لكل واحد منهما: "متى توتر؟ " (١).

وليس للوتر وقت لا يجوز فيه، ولا يكره في الوقت المحدود له في الليل، لكن فعل الصحابة منزل على ما ذكرناه أولًا من الحكم والتعليل، والله أعلم.

واعلم أن حكم قيام رمضان المسمى بالتراويح في وقته حكمُ وقت الوتر، لا أعلم في ذلك خلافًا، وأما ما يفعله كثير من الأئمة للمساجد بالديار المصرية في حضرها وريفها من صلاتهم لها بين المغرب والعشاء، والوتر بعدها قبل فعل العشاء، فلا يجوز ذلك، ولا يحصل لهم فضيلة قيام رمضان ووتره، وهل يحصل لهم فضيلة نفل مطلق؟ فيه نظر إذا أتوا بذلك على الوجه المأمور به فيه، والله أعلم.

* * *

[الحديث الثالث]

عَنْ عَائشِةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوْتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسِ، لَا يَجْلِسُ في شَيْءٍ إلَّا في آخِرِهَا (٢).

اعلم أن لفظة (كان) فعل ماض يدل على وقوع الفعل مرة واحدة من حيث


(١) رواه أبو داود (١٤٣٤)، كتاب: الصلاة، باب: في الوتر قبل النوم، وابن خزيمة في "صحيحه" (١٠٨٤)، والحاكم في "المستدرك" (١١٢٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٣٥)، عن أبي قتادة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه البخاري (١٠٨٩)، كتاب: التهجد، باب: كيف كان صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ومسلم (٧٣٧)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، وهذا لفظ مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>