بالمحافظة عليها، إنما كان كونها معرضة للضياع؛ وهو غير لائق بالجمعة، فإن الناس -في العادة- يحافظون عليها أكثر من غيرها، فإنها تأتي في الأسبوع مرة، بخلاف غيرها.
وأما من قال: هي جميع الخمس؛ فهو ضعيف، أو غلط؛ لأن العرب لا تذكر الشيء مفصلًا، ثم تجمله، وإنما تذكره مجملًا ثم تفصله، أو تفصل بعضَه تنبيهًا على فضيلته، وقد تجمله جميعه من غير تفصيل؛ تنبيهًا على المحافظة على جميعه، فيكون القول بإبهامها في الخمس من هذا الأخير، والله أعلم.
ثم أصحُّ الأقوال في الصلاة الوسطى: الصبح، والعصر، وأصحهما: العصر، والله أعلم.
* * *
[الحديث السادس]
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عباسٍ - رَضي الله عنهما -، قالَ: أَعْتَمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بالعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمرُ - رَضِي الله عنه - فَقَالَ: يا رَسُولَ الله! رَقَدَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ وَرَأْسُه يقْطُرُ، يقولُ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أمَّتِي -أَوْ عَلَى الناسِ-، لأَمَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الصَّلاَةِ، هَذه السَّاعَةَ"(١).
أما ابن عباس، فتقدم ذكره.
وأما قوله:"أَعْتَمَ"، فمعناه: أَخَّر الصلاة حتى اشتدت عتمةُ الليل؛ وهي ظلمتُه، يقال: عَتَم بالليل، يَعْتِم -بكسر التاء-: إذا أظلم، والعتمة: الظلمة، ونقل عن الخليل: أنها اسمٌ لثُلثِ الليل الأول بعد غروب الشفق.
وقد يستعمل أعتم بمعنى: دخل في العتمة؛ كما يقال: أصبح، وأمسى،
(١) رواه البخاري (٦٨١٢)، كتاب: التمني، باب: ما يجوز من اللّو، ومسلم (٦٤٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: وقت العشاء وتأخيرها، وهذا لفظ البخاري.