للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذبحَ قبلَ أن يصليَ فليذبحْ أُخرى مكانَها" إنما كان بعد ذبحه، فكأنه قال: من ذبح قبلَ فعلي هذا من الصلاة والخطبة والذبح، فليذبحْ أخرى مكانها؛ أي: فلا يعتدُّ بما ذبحه أولًا ضحية.

وهذا الاستدلال غير مستقيم؛ لمخالفته التقييد بلفظ الصلاة، والتعقيب بالفاء من غير مهلة، والخطبة إنما اعتبرناها في وقت عدم جواز الأضحية تبعًا للصلاة، وأما الذبح، فلا يصح اعتباره لمنع دخول وقتها، بل هو دليل لنا على جواز الذبح؛ لما قررناه من أن فعله - صلى الله عليه وسلم - حجة للأمة ما لم يرد دليل بتخصيصه - صلى الله عليه وسلم - به، والله أعلم.

* * *

[الحديث الرابع]

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ العِيدِ، فَبَدأَ بالصَّلاَةِ قَبْلَ الخُطْبةِ بِلاَ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثَم قَامَ متَوَكِّئًا عَلَى بِلاَلٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ الناسَ، وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتى أتى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ، وَذَكَّرَهُنَّ، وَقَالَ: "تَصَدَّقْنَ؛ فَإنَّكُن أكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ"، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النساء سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لأنكن تكثرنَ الشَّكَاةَ، وَتكفرنَ العَشِيرَ"، قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَ، يُلْقِينَ في ثَوْبِ بِلاَلٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وخَوَاتِيمِهِنَّ (١).

تقدم ذكر جابر.

وأما قوله: "شهدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة" تقدم الكلام على أن صلاة العيد قبل الخطبة، وما يتعلق بذلك.

وقوله: "بلا أذان ولا إقامة"، فهو مجمع عليه عند العلماء اليوم، وهو


(١) رواه البخاري (٩٣٥)، كتاب: العيدين، باب: موعظة الإمام النساء يوم العيد، مختصرًا، ومسلم (٨٨٥)، في أول كتاب العيدين، وهذا لفظ مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>