للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف العلماء في بيعها مطلقًا من غير شرط قطع ولا إبقاء: فمذهب مالك، والشافعي، وجمهور العلماء: المنعُ منه؛ استدلالًا بعموم هذا الحديث وإطلاقه؛ فإنه إذا خرج عن العموم بيعها بشرط القطع، دخل باقي الصور التي من جملتها الإطلاق، ولأن العادة إذا بيعت الثمرة بعد بدو الصلاح الإبقاء، فصارت العادة كالمشروط، فجاز بيعها حينئذ مطلقًا، وبشرط القطع، وبشرط التبقية. وما بعد الغاية يخالف ما قبلها إذا لم يكن من جنسها، والغالب السلامة في بيعها بعد بدو صلاحها؛ بخلاف ما قبله، ثم إذا بيعت بعد بدو صلاحها بشرط التبقية، أو مطلقًا، لزم البيع بتبقيتها إلى أوان الجداد، وحيث هو العادة من غير منازعة ولا خصام، وبه قال مالك، والشافعي -رحمه الله تعالى-، وقال أبو حنيفة -رحمهم الله تعالى-: يجب بشرط القطع، والله أعلم.

* * *

[الحديث الخامس]

عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بيع الثِّمَارِ حَتى تُزْهِيَ، قِيل: وَمَا تُزْهِي؟ قال: "تَحْمَرُّ"، قَالَ:: "أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيه؟! " (١).

أَمَّا قولُه: "حَتَّى تُزْهِيَ" فقد أنكر بعض أهل اللغة ذلك، وقال: لا يقال أزهت الثمرة تُزهي، وهذه الرواية تردُّ عليه، وورد في "صحيح مسلم": "حَتَّى تَزْهُوَ" من: زهت تزهو، وأنكرها بعضهم، وقال: لا يقال: زهت تزهو، وإذا يقال زهت تزهي، والصواب جوازه؛ لما ثبت في "صحيح مسلم"، فيكون حينئذ فيها لغتان: زَهَتْ وَأَزْهْت، قال ابن الأعرابي: يقال: زها النخل يزهو: إذا ظهرت ثمرته، وأزهى يُزهي: إذا احمرَّ أو اصفرَّ، وقال الأصمعي: لا يقال في


(١) رواه البخاري (٢٠٩٤)، كتاب: البيوع، باب: بيع المخاضرة، ومسلم (١٥٥٥)، كتاب: المساقاة، باب: وضع الجوائح.

<<  <  ج: ص:  >  >>