للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثالث]

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَمعَ جَلَبةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتهِ، فَخَرَجَ إلَيهِمْ فَقَالَ: "أَلاَ إنَّما أَنا بَشَرٌ، وإنَّما يَأتِيني الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فيحسِبُ أنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإنَّما هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَليَحْمِلَها أَوْ يَذَرْها" (١).

أما أم سلمة؛ فتقدم ذكرها.

قولها: "سمعَ جَلَبَةَ خصمٍ ببابِ حجرته"؛ الجلبة -بفتح الجيم واللام-، وفي رواية في "صحيح مسلم": لجبة (٢) -بتقديم اللام على الجيم مع فتحهما-، وهما لغتان صحيحتان، ومعناهما: اختلاط الأصوات. والخصم هنا: الجماعة، وهو من الألفاظ التي تقع على الواحد والجمع (٣).

وهذه الحجرة، هي بيت أم سلمة - رضي الله عنها -كما ثبت في "صحيح مسلم": بباب أم سلمة.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا إنما أَنا بشرٌ"؛ معناه: التنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئًا، إلا أن يطلعهم الله على شيء من ذلك، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم، وأنه إنما يحكم بين الناس بما ظهر، والله تعالى متولي السرائر، فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر، مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك.

لكنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كلف بالظاهر، وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا


(١) رواه البخاري (٦٧٦٢)، كتاب: الأحكام، باب: القضاء في كثير المال وقليله، ومسلم (١٧١٣)، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، وهذا لفظ مسلم.
(٢) رواه مسلم (١٧١٣)، (٣/ ١٣٣٨).
(٣) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٣٥٥)، و"شرح مسلم" للنووي (١٢/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>