والأصح: أنه كان إفتاء، وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها، فيجوز.
والثاني: كان قضاء، فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي، وطريق الثبوت البينة أو الإقرار، أو علمُ الحاكم به على قول من يرى الحكم بالعلم.
ومنها: أن للمرأة مدخلًا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم.
قال أصحاب الشافعي: إذا امتنع الأب من الإنفاق على الولد الصغير, أو كان غائبا، أذن القاضي لأمه في الأخذ من مال الأب أو الاستقراض عليه، والإنفاق على الصغير بشرط أهليتها، وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير إذن القاضي؟
فيه وجهان مبنيان على الوجهين اللذين ذكرناهما آنفا في أمر هند امرأة أبي سفيان، هل كان إفتاءً أم قضاءً؟
ومنها: جواز اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي.
ومنها: جواز خروج المرأة المزوجة من بيتها لحاجتها من المحاكمة والاستفتاء وغير ذلك.
ومنها: أن ما يذكر في الاستفتاء لأجل ضرورة معرفة الحكم، إذا تعلق به أذى الغير، لا يوجب تعزيرًا، وقد استدل به جماعة من أصحاب الشافعي على جواز القضاء على الغائب، وفيه ضعف، وربما لا يصح الاستدلال به لذلك؛ من حيث إن القضية كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرًا بها، وكان السؤال على سبيل الفتوى لا في معرض الدعوى، ولا يقضى على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره وسماعه للدعوى عليه إلا في وجه ضعيف، فلو كان مستترًا لا يُقدر عليه، أو متعززًا، جاز القضاء عليه، وأبو سفيان لم يوجد في قصته هذه شيء من ذلك.
وقد أخذ من الحديث الاستدلال على مسألة الظفر بالحق وأخذه من غير مراجعة من عليه، وليس في الحديث تعرض لجواز الأخذ من الجنس أو من غير الجنس، ومن يستدل بالإطلاق في مثل هذا، يجعله حجة في الجميع، والله أعلم.