للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ضرب في شدقيه، أو فك في لحييه؛ ليرسلها، فلو أمكن تخليصها بأيسر ما يقدر عليه، فينبغي أنه يضمن.

وخالف مالك في ذلك، وقال: يجب الضمان في السن مطلقا، والحديث صريح لمذهب الشافعي ومن قال بقوله.

والتقييد بعدم الإمكان لغير هذا الطريق، مأخوذ من القواعد الكلية.

فلو لم يمكن التخليص إلا بضرب عضو آخر، كبعج البطن، وعصر الأنثيين، فقد قيل: له ذلك، وقيل: ليس له قصد غير الفم.

وإذا كان القياس وجوب الضمان، فقد يقال: إن النص ورد في صورة التلف بالنزع من اليد، فلا يقيس عليه غيره، لكن إذا دلت القواعد على اعتبار الإمكان في الضمان، وعدم الإمكان في غير الضمان، وفرضنا أنه لم يكن الدفع إلا بالقصد إلى غير الفم، قوي بعد هذه القاعدة، أن يسوى بين الفم وغيره.

وفيه دليل على: الاختصام إلى الحكام عند وقوع الحوادث.

وفيه: تشبيه فعل الآدمي بفعل الحيوان الذي لا يعقل؛ للتنفير عن مثل فعله.

وفيه: أن المتعدي بالجناية، إذا ترتب عليه جناية بسبب جنايته توجب ضمانًا بمجردها: أنه لا يجب له ضمان تلك الجناية بدية ولا قيمة.

* * *

[الحديث التاسع]

عَنْ الحَسَنِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ البَصْرِيّ قَالَ: حَدَّثنَا جُنْدُبٌ في هَذَا المَسْجِدِ، وَمَا نَسِينَا مِنْهُ حَديثًا، وما يُخْشَى أَنْ يكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُل بِهِ جُرْحٌ، فَجَرحَ، وَأَحَدَّ سِكِّينًا، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَل-: عَبْدِي بَادَرَنِي بنفْسِهِ، فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنةَ" (١).


(١) رواه البخاري (٣٢٧٦)، كتاب: الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، ومسلم (١١٣)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>