عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي وَاللهِ إنْ شَاءَ اللهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتيْتُ الَّذِي هُوَ خيرٌ وَتَحَللْتُهَا"(١).
تقدم الكلام على أبي موسى، وأنه عبد الله بن قيس الأَشْعريّ.
وهذا الحديث ورد على سبب، وهو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - الحِمْلانَ، فحلف ألا يحملهم، ثم حملهم، فكرهوا تحلُّلَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وخافوا عقوبةَ ذلك، فقال ذلك، ولا شك أن معناه ما تقدم في الحديث قبله.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني واللهِ إنْ شاءَ الله"؛ تنبيه على تأكيد ما يخبر به الإنسان عن نفسه في المستقبل بالقسم، وبالاستثناء بـ "إن شاء الله"، تبركًا وأدبًا؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا أحلفُ على يمينٍ"، وذلك لا يكون إلَّا مستقبلًا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وتحللتُها"؛ يعني: تحللتها بالتكفير عنها، ويحتمل أنَّه إتيان ما يقتضي الحنث؛ فإن التحلل يقتضي العقد، والعقد هو ما دلت عليه اليمين من موافقة مقتضاها، فيكون التحللُ الإتيانَ بخلاف مقتضاها، وهذا مستفاد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلَّا أتيتُ الذي هو خيرٌ"؛ يعني: ما كان خلافَ مقتضى اليمين، فلا يبقى لهذا الاحتمال فائدة زائدة عليه من حيث مقتضاه، اللهمَّ إلَّا أن تكون الفائدة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وتحللتها"، التنصيصَ والتصريح بما يناسب الجواز والحلَّ صريحًا؛ فإنَّه أبلغ مما إذا أتى به بطريق الاستلزام.
كيف وقد أكد - صلى الله عليه وسلم - الحكمَ المذكور باليمين بالله تعالى عليه، وهو يقتضي المبالغةَ في ترجيح الحِنْث على الوفاء بما حلف عليه، وذلك يرجع إلى مصالح
(١) رواه البُخَارِيّ (٦٣٠٢)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: اليمين فيما لا يملك وفي المعصية وفي الغضب، ومسلم (١٦٤٩)، كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه.