للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو حنيفة وأصحابه، وأشهب المالكي: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث بكل حال.

وتعلق من قال بالبداءة بالتكفير قبل الحنث بهذا الحديث؛ حيث قدمه عليه، وهو ضعيف من حيث إن الواولا تقتضي الترتيب، والمعطوف والمعطوف عليه بها كالجملة الواحدة، وليس بالجيد طريقة من يقول في مثل هذا: إن الفاء تقتضي الترتيب والتعقيب، فيقتضي ذلك أن يكون التكفير مستعقبًا؛ لرواية الخبر في الحنث، وإذا استعقبه التكفير، تأخر الحنث ضرورة.

وإنما قيل: ليس بجيد؛ لما بُين في حكم الواو، فلا فرق بين قولنا: فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير، وبين قولنا: فافعلْ هذين، ولو قال كذلك، ولم يقتض ترتيبًا ولا تقديما، فكذلك إذا أتى بالواو.

وقد ذكرت هذه الطريقة عن بعض الفقهاء في اشتراط الترتيب في الوضوء، وقال: إن هذه الآية تقتضي تقديم غسل الوجه بسبب الفاء، وإذا وجب غسل الوجه، وجب الترتيب في بقية الأعضاء اتفاقًا، وهو ضعيف لما بُيِّن.

ومنها: أنَّه إذا لم هي الحنث خيرًا، اقتضى تأخير مصلحة الوفاء بمقتضى اليمين؛ فإن الحديث علق الحنث على رؤية غيرها خيرًا منها، وذلك مطلوب.

والآية الكريمة في قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [البقرة: ٢٢٤] تأبى التأخير عن مصلحة الوفاء، وقد حملها بعضهم على ما دل عليه الحديث، فقال: {عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}؛ أي: مانعًا، و {أَنْ تَبَرُّوا} بتقدير: من {أَنْ تَبَرُّوا}.

ومنها: بيان كرم الله تعالى على عبادة في عدم الوقوف عند الأيمان، وبأنه يحنث فيها؛ لئلا يؤدي ذلك إلى المنع من الخير وترك البر، والله أعلم.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>