للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علي نذر، وهو الذي يقول فيه مالك وكثيرون وبعض الفقهاء المحدثين: إنه مخير بين الوفاء بما يعينه، وبين كفارة يمين.

وفيه دليل على: أن الاعتكاف قُربة تلزم بالنذر، وفقهاء الشافعية تصرفوا فيما يلزم بالنذر المطلق من العبادات، وليس كل ما هو عبادة مثاب عليه، لازما بالنذر عندهم، ففائدة هذا الحديث من هذا الوجه: أن الاعتكاف من القسم الذي يلزم بالنذر.

وفيه دليل على: عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف؛ حيث قال: نذرت أن أعتكف ليلة.

وقد تقدم أنَّه مذهب الشَّافعيّ، وأن مالكًا وأبا حنيفة خالفاه فيه، وقالا باشتراطه، والله أعلم.

* * *

[الحديث الثاني]

عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: "إنَّهُ لا يَأتِي بِخَيْرِ، وإنَّما يُستَخرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ" (١).

نص الشَّافعيّ -رحمه الله- على كراهة ابتداء النذر في الطاعة، وعلى وجوب الوفاء به.

أما كراهته؛ فللنهي عنه في هذا الحديث وغيره، وهو مذهب المالكية أَيضًا؛ لعموم النهي، ولأن النذر التزام إيجاب على نفسه من غير إيجاب الشرع، فكره؛ حيث إنه لا إيجاب إلَّا بالشرع، ولا التزام إلَّا به، فالالتزام نهى الشرع عنه، والوفاء وجب بالشرع؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نذرَ أن يطيعَ اللهَ فليطِعْهُ" (٢).


(١) رواه البُخَارِيّ (٦٢٣٤)، كتاب: القدر، باب: إلقاء العبد النذر إلى القدر، ومسلم (١٦٣٩)، (٣/ ١٢٦١)، كتاب: النذر، باب: الأمر بقضاء النذر، وهذا لفظ مسلم.
(٢) رواه البُخَارِيّ (٦٣١٨)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النذر في الطاعة، عن عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <  ج: ص:  >  >>