للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الثامن]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإنْ تَكُ غَيْرَ صَالِحَةٍ، فَشَرٌّ تَضَعُونَه عَنْ رِقَابِكُمْ" (١).

قد تقدم أن الجِنازة -بفتح الجيم وكسرها- لغتان مطلقًا، يقال: بالفتح للميت، وبالكسر للنعش، فيكون الفتح للأعلى، والكسر للأسفل، فينبغي أن تقرأ هنا: أسرعوا بالجنازة بالفتح؛ لأن المراد به الإسراع بالميت، فهو المقصود.

واعلم أن المراد بالإسراع: الإسراعُ في المشي بالميت إلى المدفن، ويدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث: "فخير تقدمونها إليه، أو شر تضعونه عن رقابكم"، وقيل: يعني به الإسراع بتجهيز الميت بعد موته، لئلا يتغير، لكن الأول أظهر، ثم لا يبعد أن يكون كل واحد منهما مطلوبًا؛ إذ مقتضاه مطلق الإسراع؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقيده بقيد، والله أعلم.

ثم الخطاب بالإسراع للرجال دون النساء؛ لأنهم أقوى للحمل، والنساء ضعيفات، وربما انكشف من الحامل بعض بدنه.

ثم الإسراع بالميت مطلوب بشرط إلَّا يكون على هينة مزرية، ولا يؤدي إلى انفجاره أو سقوطه ونحو ذلك، قد جعل الله لكل شيء قدرًا، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - الحكمة في الإسراع بقوله: "فإن تك صالحة إلى آخره"، والله أعلم.

وفي هذا الحديث فوائد:

منها: الأمر بالإسراع على ما ذكرنا، وقد كره بعض السلف الإسراع، وهو محمول على الإسراع المحذور.


(١) رواه البخاري (١٢٥٢)، كتاب: الجنائز، باب السرعة بالجنازة، ومسلم (٩٤٤)، كتاب: الجنائز، باب: الإسراع بالجنازة.

<<  <  ج: ص:  >  >>