للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الزوال الخطبتان والصلاة، مع ما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ فيهما الجمعة والمنافقين، وذلك يقتضي زمانًا يمتد فيه الظل، فحيث كانوا ينصرفون منها، وليس للحيطان فيء يستظلون به، ربما اقتضى ذلك أن تكون واقعة قبل الزوال، أو خطبتاها، أو بعضها، لكن الحديث الثاني يتبين منه وقوع ذلك جميعه بعد الزوال، ولا يلزم من قراءته الجمعة والمنافقين الدوامُ، وما تمسكا به من الحديث الأول، وهمٌ؛ لما بيناه.

قال القاضي عياض: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح شيء منها إلا ما عليه الجمهور، وحملوا الحديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء أو القيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم نُدبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها، خافوا فوتها، أو فوت التبكير إليها، والله أعلم (١).

* * *

[الحديث الثامن]

عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأ في صَلاَةِ الفَجْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ: {الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: ١، ٢] السجْدَةَ، و: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (٢) [الإنسان: ١].

في الحديث دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في صلاة الصبح يوم الجمعة، والسجود عند قراءة آية السجدة في صلاة الفجر وغيرها من الفرائض، وقد كرهه مالك في "المدونة" (٣) خشيةَ التخليط على المأمومين، وعلل أيضًا بخوف زيادة سجدة في صلاة الفرض، وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث،


(١) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (٦/ ١٤٨ - ١٤٩).
(٢) رواه البخاري (٨٥١)، كتاب: الجمعة، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، ومسلم (٨٨٠)، كتاب: الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة.
(٣) انظر: "المدونة" (١/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>