عن أَنَسِ بنِ مالكٍ - رضيَ اللهُ عنه - قالَ:"كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ على المُفْطِرِ، ولا المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ"(١).
لما تقرر عند أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأخذَ برخص الله تعالى في عزائمه أفضلُ وأحبَّ إليه - سبحانه وتعالى - ظن قوم أن الأخذ بالعزيمة في الصوم عيب، فقال أنس - رضي الله عنه -: كنَّا نسافرُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث، فأَفهم بذلك جوازَ صوم رمضان في السفر؛ حيث تعرض لعيبه، وأنه محظور ممنوع منه؛ بخلاف الصوم المرسل؛ فإنه لا يُعاب بشرطه، ولا يحتاج إلى رفع وهم فيه.
ولا شك أنَّ الرخصة متوجهة إلى جميع المكلفين، كما أن الخطاب بالصوم متوجه لجميع المسافرين وغيرهم.
وبيان ذلك: أنَّ الرخصة حاصلها راجع إلى تخلف الحكم مع تحقق سببه لأمر خارج عن ذلك السبب، كما تقوله في إباحة الميتة عند الضرورة، وبهذا يتحقَّق بطلانُ قول من قال: إنَّ صوم المسافر لا ينعقد، والله أعلم.
وزعم بعض أهل العلم أنه إذا أنشأ السفر في رمضان، لم يجز له أن يفطر، محتجًا بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمهُ}[البقرة: ١٨٥]، وقال غيره: وهذا غلط؛ لهذا الحديث وغيره.
ومعنى الآية الكريمة: شهد الشهر كلَّه، ومَنْ شهد الشهرَ كلَّه، فإنَّه لم يشهد بعضه.
وفي حديث أنس هذا دليل على رفعه؛ حيث قال: كُنَّا نسافر مع
(١) رواه البخاري (١٨٤٥)، كتاب: الصوم، باب: لم يعب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضًا في الصوم والإفطار، ومسلم (١١١٨)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.