فلو لم يكن راجحًا بالنسبة إليهم على يوم ويوم، لما فعلوه، فدلّ على أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، والله أعلم.
وفي الحديث دليل على السؤال عن العلم في كل ما يعرض للإنسان من جوازه وأفضليَّته.
وفيه دليل على أنَّ المستفتي يذكر للمفتي حاله وما يعرض له، ولا يكتمه شيئًا مما يتعلَّق بسؤاله.
وفيه دليل على إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار.
وفيه دليل على جواز صوم الفرض للمسافر إذا صامه، وهو قول أهل عامة العلم.
ورُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عبَّاس - رضي الله عنهم -: إن صام في السَّفر لم يجزئه، وعليه أن يصوم في الحضر، وبهذا قال أهل الظاهر، وقد صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التخيير في الصَّيام في السَّفر والفطر من رواية جماعة من الصحابة، والحجة في السنّة، وهذا إن ثبت ما ذكر عمَّن قدمنا.
واختلف أهل العلم في أفضل الأمرين منهما: وقد ساق الإمام أبو داود - رحمه الله - في "سننه"(١) ما فيه مستند لمذاهبهم، فقالت طائفة: الفطر أفضل، وقالت طائفة: الصوم أفضل، وقالت طائفة: أفضل الأمرين أيسرهما على المرء؛ لقوله عزَّ وجلَّ:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، فإن كان الصوم أيسر عليه، صام، وإن كان الفطر أيسر، فليفطر.
وقيل: الصوم والفطر سواء، والصَّواب في مذهب الشَّافعي وأصحابه الَّذي لا اختلاف فيه بينهم: أن الأفضل الفطر لمسافر يضرُّه الصوم، والله أعلم.