للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال الأحكام في الباطن: المأمور بها والمنهي عنها وجوبا وندبا وتحريما وكراهة: النيات والعرفان والاعتقادات والإيمان والكفر والطغيان والكبر والعجب والحسد ونحو ذلك.

ومثال الأحكام في الظاهر: آثار الأحكام الباطنة، وما يتعلق ببصرك ومنطقك، وبطشك وفعلك بيدك ورجلك وفرجك منها، والله أعلم.

وقد ذكر أصحاب الشافعي: أن القاضي الحنفي إذا حكم بشفعة الجار: أنه ينفذ في الظاهر، واختلفوا في نفوذه وحكمه في الباطن على وجهين.

وهذا الحديث عام بالنسبة إلى سائر الحقوق، والذي اتفق عليه أصحاب الشافعي: أن الحجج إذا كانت باطلة في نفس الأمر؛ بحيث لو اطلع عليها القاضي لم يجز له الحكم بها: أن ذلك لا يؤثر في منع الحكم بها، بخلاف الأمور الاجتهادية، إذا خالف اعتقاد القاضي اعتقاد المحكوم له؛ كما في شفعة الجار، والله أعلم.

* * *

[الحديث الرابع]

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ، وكَتبتُ لَهُ -إلَى ابْنِهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بكْرَةَ، وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِستانَ-: أَنْ لَا تَحْكُمْ بينَ اثْنينِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ؛ فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لَا يحكُمْ أَحَدٌ بينَ اثْنَينِ وَهُوَ غَضبَانُ". وَفي رواية: "لَا يقْضِيَنَّ حَكَمٌ بينَ اثنيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" (١).

أما عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ فكنيته: أبو عمرو بن نفيع بن الحارث، ثقفيٌّ بصريٌّ تابعيٌّ ثقة، وهو أول مولود في الإِسلام بالبصرة، وله إخوة خمسة: عبيد الله، ومسلم، ووزاد، ويزيد، وعبد العزيز.


(١) رواه البخاري (٦٧٣٩)، كتاب: الأحكام، باب: هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟ ومسلم (١٧١٧)، كتاب: الأقضية، باب: كراهة قضاء القاضي وهو غضبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>