للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن الإنصات والإمام يخطب يُستدل له من عموم الحديث على من سمعه ومن لم يسمعه من غير تقييد، حتى استدلت به المالكية على عدم تحية المسجد من حيث إن الأمر بالإنصات أمر بمعروف، وأصله الوجوب، فإذا منع منه مع قلة زمانه وقلة انشغاله، فلأن يمنع الركعتان مع كونهما سنة وطول الاشتغال بهما أولى، وقد تقدم ذلك، والله أعلم.

* * *

[الحديث السادس]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأنَما قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيةِ، فَكَأنمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأنَّمَا قَرَّبَ كبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الرابِعَةِ، فكَأنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ في الساعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ، حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" (١).

أما الرواح لغة: فهو الذهاب أول النهار وآخره، قال الأزهري: لغة العرب أن الرواح الذهاب، سواء كان أول النهار أو آخره، أو في الليل، والمراد به في الحديث الذهابُ أول النهار (٢)، وادعى مالك والقاضي حسين وإمام الحرمين من أصحاب الشافعي: أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، وقالوا: هذا معناه في اللغة بناء على أن الساعات المذكورة في الحديث عندهم لحظات لطيفة، لا الساعات التي هي من طلوع الفجر أو طلوع الشمس، وقد اختلف في ذلك، والصحيح عند العلماء أنه من طلوع الفجر، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "يومُ الجمعة اثنتا عشرةَ ساعةً" (٣)، فجعل الساعات عبارة عن جميع اليوم، لا عن اللحظات


(١) رواه البخاري (٨٤١)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة، ومسلم (٨٥٠)، كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.
(٢) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: ٦٤)، و"غريب الحديث" للخطابي (١/ ٣٢٨)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: ٨٦).
(٣) رواه النَّسائيُّ (١٣٨٩)، كتاب: الجمعة، باب: وقت الجمعة، والحاكم في "المستدرك" =

<<  <  ج: ص:  >  >>