أيضًا، وقيل: معناه: ملت عن الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي (١).
ومعنى الحديث: النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا على ما سواه؛ لأنه إذا قال: أنصت، وهو في الأصل أمر بمعروف، وسماه لغوًا، فغيره من الكلام أولى، وطريقه إذا أراد نهي غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه، فلينهه بكلام مختصر، ولا يزيد على أقل ممكن.
ولا شك أن الحديث دليل على طلب الإنصات في الخطبة، والناس في ذلك على قسمين:
أحدهما: من يسمع الخطبة، وهؤلاء ضربان: ضرب لا تصح الجمعة إلا بهم، وهم أربعون أو أقل أو أكثر على قدر الاختلاف فيهم، فهؤلاء يجب عليهم الاستماع بلا شك، وضرب تصح الجمعة بدونهم وهم يسمعون، فهؤلاء يجب عليهم -أيضًا- عند مالك، وأبي حنيفة، والشافعي في أحد قوليه في الحديث، وأحمد في المشهور من روايته، وعامة العلماء، مع اتفاقهم على أن الكلام في هذا الضرب مكروه كراهة تنزيه، لكن الاختلاف في التحريم، والذي يقتضيه الدليل التحريم، وهو الراجح عند أكثر العلماء، وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف: أنه لا يجب إلا إذا تلا الخطيب فيها القرآن.
القسم الثاني: من لا يسمع الخطبة أصلًا، قال القاضي عياض وغيره: اختلف العلماء فيه، هل يجب عليه السكوت؛ كما لو كان يسمع؟ قال الجمهور: يلزمه؛ لأنه إذا تكلم، يهوش على السامعين، ويشغلهم عن الاستماع، وقال النخعي وأحمد، والشافعي في أحد قوليه: لا يلزمه، ولكن يستحب له.
وأما الإنصات بين خروج الإمام والخطبة، فقال به أبو حنيفة، قال: يجب الإنصات بخروج الإمام، وقال مالك والشافعي والجمهور: لا يجب، والله أعلم.