للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الرابع عشر]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِراعَيْهِ انْبِساطَ الكَلْبِ" (١).

* أما أنس، فتقدم ذكره.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اعتدلوا في السُّجودِ": معناه راجع إلى الاعتدال المعنوي المرادِ للشرع في السجود، وهو وضعُ الكفين على الأرض، ورفعُ المرفقين عن الأرض وعن جَنبيه، رفعًا بليغًا؛ بحيث يظهر بياض إبطيه إذا لم تكن مستورة.

والحكمةُ في ذلك أنه أشبه بالتواضع، وأبلغُ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبعدُ من هيئة الكسالى، وليس المراد منه الاعتدالَ الخِلقي المطلوب في الركوع، فإن المراد فيه استواءُ الظهر والعُنُق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي مع ما تقدم، حتى لو تساويا، بطلت الصلاة على الأصح من الوجهين عند أصحاب الشافعي، ولهذا نهى عقب ذلك عن بسط ذراعيه انبساطَ الكلب؛ لكونه منافيًا لمقصود الشرع، فإنه ذكر الحكم مقرونًا بعلته.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يبسطُ أحدُكم ذراعيه انبساطَ الكلبِ": انبساطُ الكلب هو كالتتمة للأول، فإن الأول كالعلة له، فيكون الاعتدال المطلوب للشرع علة لترك انبساط الكلب، فذكر الحكم مقرونًا بعلته؛ تنبيهًا على الأشياء الخسيسة المشبهة بفعل الكلب؛ ليُترك في الصلاة؛ فإن المنبسط يُشعر حالُه بالتهاون بالصلاة، وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها، ومثل هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "العائدُ في هِبَتِهِ كالكلبِ يعودُ في قَيئهِ" (٢)،


(١) رواه البخاري (٧٨٨)، كتاب: صفة الصلاة، باب: لا يفترش ذراعيه في السجود، ومسلم (٤٩٣)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتدال في السجود.
(٢) رواه البخاري (٢٨٤١)، كتاب: الجهاد والسير، باب: إذا حمل على فرس فرآها تباع، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بهذا اللفظ، وسيأتي تخريجه في "الصحيحين" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>