للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ورد في المنع من الصَّلاة بينها حديث، وإن لم يصحّ سنده، وهذا الحديث مقدَّم عليه؛ فإن حقيقة قوله: "بين العمودين" يقتضي جوازه من غير كراهة، والله أعلم.

وإن صحَّ سنده، أُول بالصلاة في مسامتها فيما بينها، لا بينها حقيقةً، وإن كان أثرًا عن السَّلف، قدِّم هذا الحديث المسند عليه، والله أعلم.

* * *

الحديث الرَّابع

عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ جَاءَ إلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ، فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ (١).

هذا الحديث أصل أصيل، وقاعدة عظيمة في اتِّباع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - واقتفاء آثاره، وترك ما كانت عليه الجاهلية من تعظيم الأصنام والأحجار، وتبيَّن أنَّ: النَّفع والضُّر بيد الله تعالى، وأنَّه -سبحانه وتعالى- هو النَّافع والضَّار، وأنَّ الأحجار لا تنفع من حيث هي هي، كما كانت الجاهلية تعتقده في الأصنام، وأراد عمر - رضي الله عنه - بذلك إزالةَ الوهم الَّذي يقع في أذهان النَّاس من ذلك جميعه.

وفي هذا الحديث دليل: على استحباب تقبيل الحجر الأسود.

وفيه دليلٌ: على أنَّه ينبغي للإمام العالم أن يبيِّن للنَّاس السُّنن بقوله وفعله.

وفيه دليلٌ: على أنَّ المرجع في ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، دون غيره.

وفيه دليلٌ: على أنَّ الإمام العالم والمقتدى به إذا خاف على النَّاس فعل محذور أو اعتقاده، أو انجرار المشروع إلى ذلك، أن يبيِّنه ويوضِّحه للنَّاس في المجامع والمواسم، ويشهره بالإيضاح والبيان؛ ليكون سببًا لإبلاغه في البلدان


(١) رواه البخاري (١٥٢٠)، كتاب: الحج، باب: ما ذكر في الحجر الأسود، ومسلم (١٢٧٠)، كتاب: الحج، باب: استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف.

<<  <  ج: ص:  >  >>