للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف العلماء في المراد بالنهي عن بيع حَبَل الحبلة: فقال جماعة: هو البيع بثمن مؤجل إلى أن يلد الناقة وتلد ولدها، وهذا التفسير نقله مسلم في "صحيحه" في هذا الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، وبه قال مالك، والشافعي، ومن تابعهم، وقال آخرون: هو بيع ولد ولد الناقة الحابل في الحال، وهذا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى، وصاحبه أبي عبيد القاسم بن سلام، وآخرين من أهل اللغة، وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، هذا أقرب إلى اللغة، لكن تفسير الراوي مقدم عند الشافعي ومحققي الأصوليين إذا لم يخالف الظاهر؛ لأن الراوي هو ابن عمر، وقد فسَّره بالتفسير الأول، وهو أعرف، والبيع باطل على تفسير المصنف وغيره من التفاسير، أما تفسير المصنف، وهو تفسير ابن عمر، فلأنه بيع إلى أجل مجهول.

وأما الثاني: فهو بيعُ نتاجِ النتاجِ، وهو معدوم ومجهول، وغير مملوك للبائع؛ وغير مقدور على تسليمه، وهذا البيع كانت الجاهلية تتبايعه، فأبطله الشارع؛ للمفسدة المتعلقة به، وللعلل التي ذكرناها، وكان السر فيه أنه يفضي إلى أكل المال بالباطل، والتشاجر، أو التنازع المنافي للمصلحة الكلية، والله أعلم.

* * *

[الحديث الرابع]

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بيعِ الثَّمَرةِ حَتى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى البَائعِ وَالمُشْتَرِيَ (١).


= و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٣٤٤)، و"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: ١٧٧)، و"تهذيب الأسماء واللغات" له أيضًا (٣/ ٥٨).
(١) رواه البخاري (١٤١٥)، كتاب: البيوع، باب: من باع ثماره أو نخله أو إرضه أو زرعه، ومسلم (١٥٣٤)، كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، إلا أن فيه: "نهى البائع والمبتاع، بدل "البائع والمشتري".

<<  <  ج: ص:  >  >>