للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيره - صلى الله عليه وسلم - علمُه به، وتقريره إياه، وجائز ألا يكون - صلى الله عليه وسلم - علم بصلاة معاذ بقومه؛ إذ لو علم، لأنكر، وهذا الاعتراض بعيد جدًّا؛ لما ذكرناه أولًا، وبما ثبت في "الصحيح": أنه - صلى الله عليه وسلم - علم بصلاته بشكوى قومه من التطويل عليهم، وغضبه - صلى الله عليه وسلم - لذلك، وتكرير قوله: "أَفَتَّانٌ أنْتَ يا مُعاذُ؟! " (١)، ولم يثبت صريحًا أنه - صلى الله عليه وسلم - منعه من الصلاة بقومه وإلزامه بالصلاة معه، بل خيره بين الصلاة معه، والتخفيف في صلاته بقومه، وبين تركِ صلاتهِ بقومه، والصلاةِ معه - صلى الله عليه وسلم -، لا أنه خيره بين الصلاة معه وتركِ الصلاة بقومه، وبين الصلاة بقومه وترك الصلاة معه، والله أعلم، ولهذا كان استدلال جمهور العلماء بحديث معاذ على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، وعكسه؛ لأن المحذور إنما هو وقوع الاختلاف على الأئمة ظاهرًا، ولا اختلاف ظاهرًا هنا، واختلاف النيّات أمر باطن لا يظهر فيه كبير محذور، والاستدلالُ للمسائل العمليات إنما هو بما ظهر من الأفعال أو الأقوال أو التقريرات، لا بالمعتقدات المجوزات، والله أعلم.

* * *

[الحديث السادس]

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الحَرِّ، فَإذَا لَمْ يَسْتَطعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ في الأَرْضِ، بَسَط ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ (٢).

تقدم ذكر أنس - رضي الله عنه -.

وقوله: "كنا نصلِّي معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا حكمه حكمُ المرفوع، بلا خلاف؛ إذ الظاهرُ تقريرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، وعلمُه به، ولهذا صرح أنس بالمعية في صلاتهم.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البخاري (١١٥٠)، كتاب: العمل في الصلاة، باب: بسط الثوب في الصلاة للسجود، ومسلم (٦٢٠)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>