مقترنًا بحالة مخصوصة أُبيح له ذلك من أجلها، فيرتفع الحكم بزوالها، فلا يكون نسخًا على كل حال، فهو ضعيف؛ لعدم قيام الدليل على النسخ والفعل من كل وجه، والله أعلم.
إذا تقرر أن فرض معاذ الأولى، وعدم نسخه، ثبت جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وادعاء عدم علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك بعيد جدًّا، ولو فرض عدم علمه بذلك، وأن ذلك لم يجز، لم يقر عليه - صلى الله عليه وسلم -، بل كان ينزل عليه الوحي بمنع فعل معاذ، فقد نزل الوحي في المجادلة عن نفسها، وفي التحريم لما أحلَّ الله، وغير ذلك، وأمرُ الصلاة أعظمُ، فدل على بطلان هذا الادعاء، والله أعلم.
وقد اختلف العلماء في جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وهو راجع إلى قاعدة، وهي أن ائتمام المأموم بالإمام واجبٌ في الصورة والنية، والفعل والقول، أم في الفعل وبعض القول؟ وفي ذلك كلام تقدم معظمه، ونتكلم هنا على ما يتعلق بحديث معاذ، فنقول: يجوز اختلاف نية الإمام والمأموم مطلقًا؛ لحديث معاذ، فيجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، وعكسه، والقاضي بالمؤدي، وعكسه، سواء اتفقت الصلاتان، أم لا، إلا أن تختلف الأفعال الظاهرة، وهو مذهب الشافعي، ومن قال بقوله، وهو أوسع المذاهب.
وخالف مالك في أحد قوليه في ذلك، وقال: لا يجوز اختلاف النيات حتى لا يصلي المتنفل خلف المفترض، ونقلُ هذا القول عن مالك ليس بجيد، كذا قال شيخنا أبو الفتح القاضي، قال: وهذا أضيقُ المذاهب في هذه المسألة.
وقال أبو حنيفة، ومالك -في المشهور الراجح عنه، وهو أوسط المذاهب-: يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض، لا عكسه (١)، وحديث معاذ - رضي الله عنه - أشبهُ بالاستدلال على جواز عكس هذا المذهب، خصوصًا لمن لم يعد المعنى في العبادات، لكنه اعترض على فعل معاذ بأن الاستدلال به إنما هو من باب ترك الإنكار من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشرط صحة الاستدلال بالفعل الواقع من