وانفرد به، ولا يثبت القدح في مثل هذا بالاحتمال من غير نص من حافظ على أنها مدرجة، والله علم.
الوجه الثاني: أنه يبعد بعدًا شديدًا أن يجعل معاذ فرضَه مع قومه، وصلاتَه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نافلةً؛ فإنه - رضي الله عنه - لا يظن به ذلك، فيترك فضيلة فرضه خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويأتي بها مع قومه، مع ما ثبت من رتبته في العلم.
الوجه الثالث: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا أُقيمت الصلاةُ، فلا صلاةَ إلا المكتوبة"(١)، فكيف يُظن بمعاذٍ - رضي الله عنه - مخالفةُ ذلك، ويصلي النافلةَ مع قيام المكتوبة؟! إذا تقرر هذا، وأن فرض معاذ - رضي الله عنه - كان الأولى، وأن صلاته بقومه كانت نافلة، فقد ادعى بعضهم أن ذلك منسوخ بأمرين:
أحدهما: أنه يحتمل أن فعل معاذ ذلك حين كانت الفريضة تقام في اليوم مرتين حتى نهي عنه.
والثاني: أن إسلام معاذ كان متقدمًا، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده سنتين من الهجرة صلاةَ الخوف غيرَ مرة على وجه تقع فيه المخالفة الظاهرة بالأفعال المنافية للصلاة في غير حالة الخوف، وذلك يدل على عدم إيقاع الصلاة في اليوم مرتين على وجه لا يقع المنافاة والمفسدات في غير هذه الحالة.
والجواب عن الأول: أنه لا بد من نقل على إيقاع الفرض في اليوم مرتين، ولا نقلَ، فلا دليل على النسخ، وإثباتُه بالاحتمال لا يجوز.
وعن الثاني: ما ذكر من الملازمة، وصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده صلاة شدة الخوف لا يدل على النسخ بتقدير تقدم إسلام معاذ وفعله، كيف والمنازعة واقعة في أن ذلك هل كان عقب إسلامه أو بعده؟ على أنه قد كانت الضرورة داعية إلى صلاة معاذ بقومه؛ لقلة القراء ذلك الوقت، ولم يكن لهم غِنًى عن صلاة معاذ، ولم يكن لمعاذ غِنًى عن صلاته مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع احتمال فعل معاذ ذلك أنه كان
(١) رواه مسلم (٧١٠)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.