للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد منع بعض العلماء قول: العشاء الآخرة، قال: لأنه يقتضي أن يكون ثمَّ عِشاءٌ أولى، وقد نُهي عن تسمية المغرب عشاءً، وهذا غلط مردود بما ثبت في "صحيح مسلم": أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيُّما امرأةٍ أصابَتْ بَخُورًا، فلا تشهدْ معنا العشاءَ الآخِرَةَ" (١)، وقد ثبت ذلك من كلام جماعة من الصحابة؛ لحديث جابر هذا وغيره، والله أعلم.

وأما صلاة معاذ - رضي الله عنه - صلاةَ العشاء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يصليها بقومه، فاعلم أنه ينبغي أن يقرر أولًا أن فرض معاذ - رضي الله عنه - في هذه الصلاة كانت الأولى، وهي صلاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوجوه:

أحدها: أنه روى الدارقطني في بعض طرق هذا الحديث فيمن صلى وفعل فعلَ معاذٍ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فهيَ لهم فَريضةٌ وله تَطَوُّعٌ" (٢)، وعللها بعض المالكية بأنها رواية شديدة الضعف، وعلى تقدير ثبوتها، فهي مدرجة، ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل من كلام ابن جريج، أو من روى عنه، أو من قول جابر؛ لأن ابن عيينة رواه، وليس فيه هذه اللفظة التي ذكرها ابن جريج، ولا شك أن الدارقطني إمام جليل لم يذكر شيئًا من ذلك، وهو أخبر، وأعلم بالحديث، فلو كان ثم شيء مما ذكره هذا المالكي المعلل، لبيَّنه، وابن جريج ثقة فيما رواه


(١) رواه مسلم (٤٤٤)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه الدارقطني في "سننه" (١/ ٢٧٤)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٤٠٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٨٦)، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.
قال الطحاوي معقبًا على هذا الحديث: قد روى ابن عينية هذا الحديث عن عمرو بن دينار كما رواه ابن جريج، وجاء به تامًّا، وساقه أحسن من سياق ابن جريج، غير أنه لم يقل فيه هذا الَّذي قاله ابن جريج: "هي له تطوع ولهم فريضة"، فيجوز أن يكون ذلك من قول ابن جريج، ويجوز أن يكون من قول عمرو بن دينار، ويجوز أن يكون من قول جابر، فمن أي هؤلاء الثلاثة كان القول، فليس فيه دليل على حقيقة فعل معاذ أنه كذلك أم لا؛ لأنهم لم يحكوا ذلك عن معاذ، إنما قالوا قولًا على أنه عندهم كذلك، وقد يجوز أن يكون في الحقيقة بخلاف ذلك. ا. هـ. وقد نصّ على أن هذه الزيادة ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هي من الرواة: الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" (٢/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>