وقوله:"بسطَ ثوبَه فسجدَ عليه"، لا شكَّ أن الثوب لغة إنما هو غير المَخيط؛ كالرداء والإزار، وقد تطلق على المخيط؛ كالقميص وغيره، وقد فسر عمر - رضي الله عنه - الثوبين بالمخيط وغيره في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَكُلُّكُمْ يجدُ ثوبينِ؟ "(١) حين سئل عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: هو إزار ورداء، أو إزارٌ وقميص، وغير ذلك، إذا ثبت هذا، فقول أنس:"بسط ثوبه"، يعمُّ ذلك [كل] ما يسمى ثوبًا، لكنه ليس فيه تعرض لاتصاله بلبس المصلي، أو بسطه منفصلًا عن لبسه، لكن الظاهر انفصاله عنه، فإنه إذا صلى على ثوب منفصل عن لبس المصلي، فإنه يجوز الصلاة عليه بلا خلاف، وإن كان متصلًا به، فإن كان المبسوط المصلَّى عليه يتحرك بحركة المصلي، لم يصحَّ الصلاة عليه، وإن لم يتحرك بحركته، صحت، فبسطُ الصحابة ثيابَهم لاتقاء الحر في الصلاة، محمولٌ على أنهم لم يكونوا لابسيها، ولو كانوا لابسيها، كانت محمولة على أنها لم تتحرك بحركتهم في الصلاة، والله أعلم.
وقد أجاز أبو حنيفة والجمهور السجودَ على طرف ثوبه المتصل به، ولم يجوزه الشافعي، وتأول الحديث على السجود على ثوبٍ منفصل عنه، وحمله الأصحاب على المتصل إذا لم يتحرك بحركته، والله أعلم.
وفي الحديث فوائدُ:
منها: أنه يقتضي تقديم الظهر في أول الوقت مع الحر، ولا شك أن ذلك صحيح إن قلنا: إن الإبراد رخصة، فيكون تقديمها سنة، والإبراد جائز، وإن قلنا: إن الإبراد عزيمة مسنونة، فقد ردد بعضهم القول في أن صلاتهم للظهر في أول الوقت في شدة الحر منسوخ، أو يكون على الرخصة.
قال شيخنا أبو الفتح - رحمه الله -: ويحتمل عندي عدم التعارض؛ لأنا إذا
(١) رواه البخاري (٣٥٨)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في القميص والسراويل والتبّان والقباء، ومسلم (٥١٥)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.