للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا"؛ فمعنى يَبْدُوَ: يظهر -بفتح الواو غير مهموز، وليس بعد الواو ألف-، ووجدت الألف في كثير من كتب المحدثين وغيرهم، وهو خطأ، والصواب حذفها في مثل هذا الموضع للناصب، وهو "حتى"، ويقع مثله في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حَتى يَزْهُوَ" (١)، واختلفوا في إثبات الألف فيها إذا لم يكن ناصب، مثل: زيد يبدو ويزهو. والمختار حذفها أيضًا (٢)، وقد ثبت تفسير بدو الصلاح بأن تَحْمَرَّ أَوْ تَصْفَرَّ.

وقولُه: "نَهَى البَائعِ وَالمُشْتَرِيَ"؛ تأكيد لبيان المنع، وهو أنه ليس المراعى في المنهي حق الآدمي، وهو المشتري مثلًا؛ بحيث إذا سقط حقه، جاز ما نهى عنه؛ لأن الحق له، وقد أسقطه، بل حقّ الشرع في المنهي عنه، سواء أسقطه صاحبه أم لا؛ بحيث لا يرتكب النهي، ألا ترى أن المنع في بيع الثمار قبل بُدوِّ صلاحها إنما هو في المعنى لأجل مصلحة المشتري؛ حيث إن الثمار قبل الصلاح معرضة للعاهات، فإذا حصل عليها شيء منها، أجحف بالمشتري في الثمن الذي بذله، ولهذا ورد في بعض الأحاديث الصحيحة: "بِمَ يأكلُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ؟! "، وسيأتي في الحديث بعده عن أنس - رضي الله عنه -، فلذلك وقع المنع منه للبائع والمشتري؛ لأجل منع الشرع، وكأنه لقطع النزاع والتخاصم، والله أعلم.

أما النهي في الحديث، فأكثر الأمة على أنه للتحريم، ولو باع الثمرة قبل بُدوِّ صلاحها بشرط القطع، صحَّ بالإجماع، قال الفقهاء من الشافعية: ولو شرط القطع، ثم لم يقطع، فالبيع صحيح، ويلزمه للبائع بالقطع، فإن تراضيا على إبقائه، جاز، وإن باعها بشرط التبقية، فالبيع باطل بالإجماع؛ لأنه ربما تلفت الثمرة قبل إدراكها، فيكون البائع قد أكل مال أخيه بالباطل، فإذا شرط القطع، فقد انتفى هذا الضرر.


(١) رواه البخاري (٢٠٨٥)، كتاب: البيوع، باب: بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها، ومسلم (١٥٥٥)، كتاب: المساقاة، باب: وضع الجوائح، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) قلت: وقد نبه إلى هذا شيخه النووي -رحمه الله- في "شرح مسلم" (١٠/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>