للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحقها، وحسابهم على الله تعالى" (١)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المتلاعنين: "لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن" (٢).

ولو شاء الله لأطلعه - صلى الله عليه وسلم - على باطن أمر الخصمين، فحكم بيقين نفسه، من غير حاجة إلى شهادة ويمين، ولكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه، والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه، أجرى له - صلى الله عليه وسلم - حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور؛ ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي هو وغيره فيه؛ ليصح الاقتداء به، وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن.

فإن قيل: هذا الحديث ظاهره أنه يقع منه - صلى الله عليه وسلم - حكم في الظاهر مخالف للباطن، وقد اتفق الأصوليون على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على خطأ في الأحكام.

فالجواب: أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصوليين؛ لأن مرادهم أنه لا يقر على خطأ فيما حكم فيه باجتهاده، ولهذا اختلفوا: هل يجوز أن يقع منه - صلى الله عليه وسلم - خطأ فيه؟ فالأكثرون على جوازه، لكن قالوا: لا يقر على إمضائه، بل يُعْلِمه الله -عَزَّ وَجَلَّ- به، فيتداركه، ومنهم من منع وقوعه.

وأما الذي في الحديث، فالمراد به الحكم بغير الاجتهاد بطريق البينة واليمين إذا وقع فيه ما يخالف باطنه ظاهره، أو عكسه؛ فإن ذلك لا يسمى الحكم به خطأ، بل هو صحيح بناء على ما استقر به التكليف، وهو وجوب العمل بشاهدين مثلًا، وإن كانا شاهدي زور ونحو ذلك، فالتقصير منهما، أو من الحاكم؛ حيث لم يحتط في أمرهما، أو ممن ساعدهما، بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد؛ فإن الحكم بالخطأ ليس هو حكم الشرع، وإن كان يثاب عليه ويؤجر أجرًا واحدًا لا أجرين، والله أعلم.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن قضيتُ له بحقِّ مسلمٍ": التقييد بحق المسلم خرج على


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>