الغالب، وليس المراد الاحترازَ من الكافر؛ فإن مال الذمي والمعاهَد والمرتد في هذا كمالِ المسلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنما هي قطعةٌ من النار"؛ الضمير في قوله:"هي" عائد إلى القضية، أو الحالة، وفي "صحيح مسلم": "فإنما أقطعُ له قطعةً من النار"؛ معناه: من قضيت له بظاهر يخالف الباطن، فهو حرام يؤول به إلى النار.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليحملْها أو يَذَرْها"؛ التخيير هنا للتهديد والوعيد والإنذار؛ كقوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩] و {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا}[الطور: ١٦] وكقوله تعالى فيما صيغته للأمر ومعناه التهديد: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ}[فصلت: ٤٠] ونظائره في الكتاب والسنة كثير، وليس المراد التخيير في الفعل والترك؛ لإن حمل الشيء والإعراض عنه لا يستعمل في ذلك.
وفي الحديث دليل: على أن حكم الحاكم لا يحيل الباطن ولا يحل حرامًا، فهذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال، فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل، لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما، وإن شهدا بالزور أن زيدًا طلق امرأته، لم يحل لمن علم كذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق، وقال أبو حنيفة: يُحل حكمُ الحاكم الفروجَ دون الأموال، فقال: يحل نكاح المذكورة.
قال صاحب "شرح المختار" للفتوى، على مذهب الإِمام أبي حنيفة -رحمه الله- (١): والقضاء بشهادة الزور ينفذ ظاهرًا وباطنا في العقود والفسوخ؛ كالنكاح والطلاق والبيع، وكذلك الهبة والإرث، وقالا: لا ينفذ باطنًا؛ يعني: محمدًا، وأبا يوسف -رحمهما الله تعالى-.
قال: وصورته: شهد شاهدان بالزور بنكاح امرأة لرجل، فقضى بها القاضي، نفذ عنده -يعني: أبا حنيفة- حتى حل للزوج وطؤها؛ خلافًا لهما، ولو شهدا بالزور على رجل أنه طلق امرأته ثانيا، فقضى القاضي بالفرقة، ثم