تزوجها آخر، جاز، وعندهما: إن جهل الزوج الثاني ذلك، حل له وطؤها اتباعًا للظاهر؛ لأنه لا يكلف علم الباطن، وإن علم بأن كان أحد الشاهدين لا يحل، ولو وطئها الزوج الأول، كان زانيًا ويحد.
وقال محمَّد: يحل له وطؤها، وقال أبو يوسف: لا يحل له وطؤها؛ لأن قول أبي حينفة أورث شبهة، فيحرم الوطء احتياطا, ولا ينفذ في معتدة الغير ومنكوحته بالإجماع؛ لأنه لا يمكنه تقديم النكاح على القضاء، وفي الأجنبية أمكن ذلك، فيقدم تصحيحًا له؛ قطعا للمنازعة.
وينفذ بيع الأمة عنده، حتى يحل للمشتري وطؤها، وينفذ في الهبة والإرث، حتى يحل للمشهود له أكل الهبة والميراث، وروي عنه -يعني: أبا حنيفة-: أنه لا ينفذ فيهما لهما.
قال: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضَكم أَنْ يكونَ ألحنَ بحجَّته من بعض، وإنما أنا بشر" الحديث، وأنه عام، فيعم جميع العقود والفسوخ وغير ذلك، فينبغي أن يكون الحكم في الباطن كهو عند الله، أما الظاهر، فالحكم لازم على ما أنفذه القاضي.
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أقضي بالظاهر، والله يتولى السرائر"(١)، قال: وله -يعني: أبا حنيفة- ما روي أن رجلًا خطب امرأة، وهو دونها في الحسب، فأبت أن تتزوجه، فادعى أنه تزوجها، وأقام شاهدين عند علي -كرم الله وجهه-، فحكم عليها بالنكاح، فقالت: إني لم أتزوجه، وإنهم شهود زور، فزوجني منه، فقال علي -كرم الله وجهه-: شاهداك زَوجاك، وأمضى عليها النكاح، وأنه قضى بأمر الله تعالى بحجة شرعية فيما له ولاية الإنشاء؛ فيجعل
(١) قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص: ١٦٢): اشتهر بين الأصوليين والفقهاء، بل وقع في "شرح مسلم" للنووي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم" ما نصه معناه: "إني أمرت بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر" كما قال - صلى الله عليه وسلم -. انتهى ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة، وجزم العراقي بأنه لا أصل له، وكذا أنكره المزي وغيره.