للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسمَ اللهِ وكلوا" (١)، فلو كانت التسمية شرطًا للإباحة، لكان الشك في وجوده مانعًا من تسميته كالشك في أصل الذبح.

ومعنى هذا الحديث معنى الحديث الذي قبله من حيث إن الضحية لا يدخل وقتها إلا بعد الصلاة والخطبة، وهو أظهر في اعتبار فعل الصلاة من الذي قبله، فإن الأول اقتضى تعليق الحكم بلفظ الصلاة، وهذا لم يعلق فيه الحكم بلفظ فيه الألف واللام، إلا أنه إن جرينا على ظاهره، اقتضى أنه لا تجزي الأضحية في حق من لم يصل صلاة العيد أصلًا.

قال شيخنا أبو الفتح - رحمه الله -: فإن ذهب إليه أحد، فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث، وإلا فالواجب الخروج عن الظاهر في هذه الصورة، ويبقى ما عداها بعد الخروج عن الظاهر في محل البحث، قال: وقد يستدل بصيغة الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليذبحْ أُخرى" إحدى طائفتين: إما من يرى أن الأضحية واجبة، وإما من يرى أنها تتعين بالشراء بنية الأضحية، أو بغير ذلك؛ من غير اعتبار لفظ التعيين، وإنما قلت ذلك؛ لأن اللفظ المعين للأضحية من صيغة النذر أو غيرها قليلٌ نادر، وصيغة (مَنْ) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذبح" صيغةُ عموم، واستغراق في حق كل من ذبح قبل أن يصلي، وقد ذكرت لتأسيس قاعدة وتمهيد أصل، وتنزيل صيغ العموم التي ترد لتأسيس القواعد على الصورة النادرة أمر مستكره على قدر في قواعد التأويل في فن أصول الفقه، وإذا تقرر هذا، وهو استبعاد حمله على الأضحية المعينة بالنذر أو غيره من الألفاظ، فينبغي التردد في أن الأولى حمله على من سبق له أضحية معينة بغير اللفظ، أو حمله على ابتداء الأضحية من غير سبق تعيين، هذا آخر كلامه، والله أعلم (٢).

وقد يستدل بهذا الحديث بما نقلناه عن مالك - رحمه الله - في الكلام على الحديث الذي قبله من أنه لا يجوز ذبح الأضحية إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه؛ لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - مورد لبيان الأحكام،


(١) رواه البخاري (٦٩٦٣)، كتاب: التوحيد، باب: السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها.
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ١٢٨ - ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>