للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهر؛ أي: دخل فيها (١)، قال الله تعالى: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧]، وقال: {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨].

واستدل بعضهم بقوله: أَعْتَمَ، على جواز تسمية هذه الصلاة: بالعتمة، وليس فيه دليل؛ لأنَّا فسرنا أعتم؛ بمعنى: تأخير الصلاة، أو الدخول في وقت العتمة، ولا يلزم من ذلك جوازُ تسمية العشاء بذلك، وقد تقدَّم في الحديث الرابع من هذا الباب الكلامُ على ذلك، والاختلافُ فيه.

لَكنْ قال الشَّافعي: وأحب ألا تُسَمَّى صلاة العشاء: بالعتمة (٢)، وإنما قال ذلك؛ لما في الحديث من النهي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأعرابُ على اسمِ صلاتِكم، أَلا وإنها العِشاءُ" (٣) عن غلبة التسمية، والتنفير عنها؛ لأنفة النفوس من الغلبة.

وإضافة الاسم إليهم في قوله: "عَلَى اسْمِ صلاتِكُم" قال: فيه زيادة، ألا ترى أنا لو قلنا: لا تُغَلبَنَّ على مالك، كان أشدَّ تنفيرًا من قولنا: لا يغلبنَّ على مال، أو على المال؛ لدلالة الإضافة على الاختصاص به.

ولا شَكَّ أَن الأَوْلَى عدمُ تسميتها بالعتمة؛ وهو مقتضى كلام الشَّافعيِّ، أما الكراهة فلا؛ لأن قوله: لا أحبُّ، أقربُ إلى الأولوية، أو نقول: النهي راجع إلى الغلبة؛ كما ذكرنا.

ولا شك أنها مكروهةٌ دائمًا، أو أكثر، ولا يناقضه أن يستعمل قليلًا؛ جمعًا بين استعماله - صلى الله عليه وسلم - لفظ العتمة في قوله: "ولو يعلمون ما في الصُّبحِ، والعتمة" (٤)، والنهي عن تسميتها عتمة، والله أعلم.

ثم على قول من قال: إنَّ العتمةَ اسمُ الثلث الأول بعدَ غيبوبة الشفق لا يحمل


(١) انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (١/ ٤٤٢ - ٤٤٣)، و"العين" للخليل (٢/ ٨٢)، و"لسان العرب" لابن منظور (١٢/ ٣٨١ - ٣٨٢)، (مادة: عتم).
(٢) تقدم ذكره عن الإمام الشافعي في كتابه "الأم".
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>