للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قد سَلَكَ المخالِفُ للنص في أنها العصر مسلكَ النظر في كونها وُسْطى من حيث العدد؛ فلا بُدَّ من تعيين ابتدائها فيه بحيث يقع به معرفة الوسط، وبه يقع التعارض.

فمن قال: إنَّها الصبحُ، يقول: سبقَها المغرب، والعشاء ليلًا، وأخر عنها الظهر، والعصر نهارًا، فكانت وسطًا.

ومن قال: إنها المغربُ، يقول: سبقها الظهر والعصر -كيفَ وقد سُمِّيت الظهرُ أولى-، وتأخر عنها العشاء والصبح، فكانت هي الوسطى؛ وهو قول قَبِيصَةَ بنِ ذؤيب.

ومن قال: هي العشاء، يقول: سبقها صلاة نهار، وصلاة ليل، وتأخر عنها صلاة بينهما، وصلاة نهار، مع أن الصبح قد اختُلِفَ فيها؛ هل هي نهارية، أو ليلية، أو لا يوصف بهما؟ على ثلاثة مذاهب للسلف.

ومن قال: الظهر هي عكس القول في العشاء في التقديم، والتأخير.

وهذا لا يتعين، بل ينبغي أن يكون مسلك النظر من حيث الفضل؛ كما يشير إليه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣]؛ أي: عدلًا.

ومع ذلك كله، فأقوى دليل لمن قال: إنها الصبح، ومنع أنها العصر، قضية العطف الذي قدمناه، وهي قاصرةٌ عن النص: في أنها العصر، وقد أقسم الله تعالى بها؛ تعظيمًا لها في قوله: {وَالْعَصْرِ (١)} [العصر: ١] قال مقاتل: أقسم بصلاة العصر؛ وهي الصلاة الوسطى.

والاعتقاد منه أقوى من الاعتقاد المستفاد من العطف، والواجب على الناظر المحقق: أَنْ يزيلَ الضعيف، ويعمل بالأرجح منها، والله أعلم.

ثم حكى القاضي عياض - رحمه الله - في الصلاة الوسطى قولين آخرين، غير ما ذكرنا، أحدهما": أنها مبهمةٌ في الخمس، والثاني: أنها الجمعةُ، وقيل: إن الوسطى جميعُ الخمسِ.

وكلُّها أقوال ضعيفة جدًّا، خصوصًا في الجمعة؛ لأن المفهوم بالإيصاء

<<  <  ج: ص:  >  >>