قوله إن اختلفوا في شيء من أمور تجهيزه ودفنه، وينقادون لأمره؛ لئلا يؤدي إلى النزاع واختلاف الكلمة، وكان هذا أهم الأمور عندهم.
أما الصلاة عليه بعد دفنه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة المعهودة، فلم ينقل فعلها عن أحد من السلف والخلف، وقد حكى بعض الشافعية في ذلك وجهًا ضعيفًا بناء على جواز الصلاة على الميت بعد الدفن لمن لم يصل عليه، لكنه بعيد جدًّا لتطابق المسلمين على عدم فعلها، ولإشعار الحديث بالمنع، وأما الدعاء عند قبره، فلم يزل السلف والخلف يفعلونه، ويتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء هناك، وبه - صلى الله عليه وسلم - عند قبره وغيره من البقاع من غير منع، والله أعلم.
واستدل بعض الفقهاء بعدم الصلاة على قبره - صلى الله عليه وسلم - على عدم الصلاة على القبر جملة، وأجيبوا عن ذلك بأن قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخصوص عن هذا بما فهم من الحديث من النهي عن اتخاذ قبره - صلى الله عليه وسلم - مسجدًا، والله أعلم.
وتحرم الصلاة على قبره، والسجود له؛ لما حرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنع منه من الصلاة إلى قبر غيره من الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - وغيرهم، ومنع من السجود له في حياته - صلى الله عليه وسلم -، فبعد موته أولى، ولما علم الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون ذلك، لم يبنوا الحجرة النبوية -على ساكنها أفضل الصلوات والتسليم- مربعة، بل بنوها من جهة شمالها مثلثة على صفة السنبوسكة؛ لئلا يُصلِّى هناك ويُسجد، وهذا كله تعريف لمقام الربوبية، ومراقبة له سبحانه وتعالى؛ حيث انفرد سبحانه بالعظمة والكبرياء والإلهية والعبادة، وكل ما أوهم تعظيمًا لشيء، كان فعله حرامًا، إلا ما قرره الشرع من التوقير والتعظيم للأشياء المضافة إليه -سبحانه وتعالى-؛ ككتاب الله تعالى، وبيته، والحجر الأسود، ومساجده، وأنبيائه، وأوليائه، وأحبابه، والعلماء به وبأحكامه، ونحو ذلك من غير مجازفة، وتجاوزه مجاوزة الحد في ذلك.
وأما التعظيم المطلق، فهو لله تعالى من كل الوجوه لصفاته وأسمائه ولا سيما [ما] لا يشركه في ذلك مشارك، ولا ينازعه منازع، فله التعظيم كله،