من الشارع في ذلك؛ بمحبة الوالدان أن يكون بِرُّهم له على السواء، فكذلك عطيته لهم على السواء.
ولما كان التفضيل يؤدي إلى الأنجاش، والتباغض؛ بعدم برِّ الولد لوالده؛ لكونه فضل غيره عليه في العطية، منع الشارع منه، وأمر بالتسوية بينهم.
واختلف العلماء في هذه التسوية: هل يسلك بها مسلك الميراث في أن للذكر مثل حظ الأنثيين؟ أم يسوي بين الذكر والأنثى من غير تفضيل؟
وظاهر الحديث يقتضي التسوية، وهو المشهور في مذهب الشَّافعي وغيره، فلو فضل بعضهم، أو وهب بعضهم دون بعض، فقد اختلف الفقهاء فيه، هل هو محرم أو مكروه؟ فقال طاوس، وعروة، ومجاهد، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وداود: هو حرام؛ لتسميته - صلى الله عليه وسلم - ذلك جورًا، ورجوع الواهب فيها، مع أن العائد في هبته كالعائد في قيئه، لا سيما وقد سمَّاها صدقة عليه، والصدقة على الولد لا يجوز الرجوع فيها، فالرجوع حينئذ هنا يقتضي أنها وقعت غير الموقع الشرعي؛ فلهذا نقضت بعد لزومها.
وقال الشَّافعي، ومالك، وأبو حنيفة: هو مكروه كراهة تنزيه، وقد استدلَّ على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَأشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيرِي"؛ فإنّه يقتضي إباحة إشهاد الغير، ولا يباح ذلك إلَّا في أمر جائز، ويكون امتناع النَّبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم - من الشهادة على وجه التنزيه.
قال شيخنا أبو الفتح بن دقيق العيد - رحمه الله -: وليس هذا بالقوي عندي؛ لأنَّ الصيغة، وإن كان ظاهرها الإذن، إلَّا أنَّها مشعرة بالتنفير الشديد عن ذلك الفعل؛ حيث امتنع الرسول - صَلَّى الله عليه وسلم - عن المباشرة لهذه الشاهدة؛ معللًا بأنها جور، فتخرج الصيغة عن ظاهرها في الإذن بهذه القرائن، وقد يستعمل مثل هذا اللفظ في مقصود التنفير، ومما يستدلُّ به عن المنع أيضًا قوله عمر:"اتَّقُوا الله"؛ فإنّه يؤذن بأن خلاف التسوية ليس بتقوى الله، وأن التسوية تقوى، هذا آخر كلامه (١).