قال:"فليتبوأْ مقعدَه من النَّار"، اقتضى ذلك تعيينَ دخوله النَّار.
ويدخل تحته أيضًا: ما ذكره بعض الفقهاء في الدعاوى؛ من نصب مسخر يدعي في بعض الصور، حفظًا لتمام الدعوى.
والجواب: وهذا المسخر يدعي ما يعلم أنه ليس له، والقاضي الذي يقيمه عالم بذلك أيضًا، وليس حفظ ذلك من المنصوصات في الشرع حتى يختص بها هذا العموم.
والمقصود في القضاء: إيصال الحق إلى مستحقه.
فالحرام هذه المراسيم الحكيمة مع تحصيل مقصود القضاء، وعدم تنصيص صاحب الشرع على وجوبها أولى من مخالفة هذا الحديث، والدخولِ تحت الوعيد العظيم الذي دل عليه.
ولا شك أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليسَ مِنَّا" أخفُّ مما مضى من الادعاء إلى غير أبيه؛ فإنه أخف مفسدة، إذا كانت الدعوى بالمال مثلًا، فإنه ليس فيه أكثر من الزيادة على الدعوى بأخذ المال المدعى به مثلًا، يدخل تحته -أيضًا- الدعاوي الباطلة في المعلوم، خصوصًا إذا ترتب عليها مفاسد.
وقد تأوله بعض المتقدمين على أنه معناه: ليس مثلنا، أو على هدينا؛ فرارًا من القول بكفره.
ومنهم من قال: إبهام معناه أولى من تأويله؛ حيث إنه أبلغ في الزجر عن الأمر المخرج له عنه - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا كما يقول الأب لولده إذا أنكر منه أخلاقا أو أعمالًا: لست مني.
وكأنه من باب نفي الشيء لانتفاء ثمرته؛ فإن المقصود المطلوب أن يكون الابن مساويًا للأب فيما يريده من الأخلاق الحميدة، فلما انتفت هذه الثمرة، انتفت البنوة مبالغة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومَنْ دَعا رَجُلًا بِالكفرِ، أو قالَ عَدُوَّ اللهِ، وليسَ كذلكَ، إلا حارَ عليهِ".