وإلا، فيصح، وحكي مثله عن أبي هريرة، وحكي أيضًا عن الحسن البصري والنخعي: أنه يجزئه في صوم التطوع دون الفرض، وحكي عن سالم بن عبد الله، والحسين بن صالح: أنه يصومه ويقضيه، ثم ارتفع الخلاف، ووقع الإجماع على صحة صوم الجنب، مع أنه قد قيل: إن أبا هريرة لم يرجع عن قوله بعدم صحة صوم الجنب، لكن الصحيح رجوعه، كيف والحديث بصحة صوم الجنب موافق للقرآن العزيز؛ فإن الله تعالى أباح الأكل والمباشرة إلى طلوع الفجر، قال الله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: ١٨٧]، والمراد بالمباشرة: الجماع إجماعًا، ولهذا قال تعالى:{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[البقرة:١٨٧]، فاقتضى ذلك جواز الجماع إلى طلوع الفجر، ولزم منه أن يصبح جنبًا، ويصح صومه؛ لقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]، فلما أتم الصوم، وأبيح الجماع في ليلة الصوم مطلقًا إلى الوقت المقارن لطلوع الفجر، لزم الإصباح جنبًا، وإذا دل القرآن وفعلُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على جواز الصوم لمن أصبح جنبًا، وجب المصيرُ إليه، وصار ناسخًا لما قبله.
وقد أجيب عن حديث الفضل وأسامة على تقدير عدم نسخه بأنه إرشاد إلى الأفضل أنه يغتسل قبل الفجر، ولو خالف، جاز، وهذا جواب أصحاب الشافعي عن الحديث، ومذهبهم في حكم المسألة، فإن قيل: كيف يكون الاغتسال أفضل، وهذا الحديث الصحيح على خلافه؟ فالجواب أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله لبيان الجواز، وفعله - صلى الله عليه وسلم - الشيء بيانًا لجوازه أفضل في حقه؛ حيث إنه مأمور بالبيان؛ كما توضأ - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة، وطاف على البعير، مع أن الوضوء ثلاثًا والطواف ماشيًا أفضل؛ لأنه المتكرر من فعله - صلى الله عليه وسلم -، ونظائر ذلك كثيرة.
وهذا الكلام راجع إلى مسألة أصولية، وهي أن الوجوب إذا نسخ هل ببقى الاستحباب؟ الصحيح بقاؤه، فالاغتسال قبل الفجر في الصوم للجنب كان واجبًا، فلما نسخ، بقي استحبابه. والله أعلم.