شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٨٩]، ويحتمل أن يريد به: ابتداءُ الدخول، وذكرُ الله تعالى مستحبٌّ في ابتداءِ قضاءِ الحاجة، فإِنْ كان المحل الذي يقضي فيه الحاجة غيرَ معدٍّ لذلك؛ كالصحراء مثلًا، جاز ذكرُ الله تعالى في ذلك المكان، وإن كان معدًّا لذلك؛ كالكنيف، ففي جواز الذِّكر فيه خلافٌ بين الفقهاء، فَمَنْ كَرِهَه، فهو محتاجٌ إلى أَنْ يُؤولَ قولَه: إذا دخل بمعنى: إذا أراد؛ لأن لفظة دخل أقوى في الدلالة على الكُنُفِ المبنيَّة منها على المكان البَراح، أو لأنه قد تبين في حديث آخرَ المرادُ؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم - "إن هَذ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإذا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الخَلاءَ فَلْيَقُل "الحديث، وأما من أجازَ ذكرَ الله تعالى في هذا المكان، فلا يحتاج إلى هذا التأويل، ويحمل دخل على حقيقتها، ثُمَّ قال: الحديثُ الذي ذكرناه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ هَذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ"؛ أيْ: للجانِّ والشَّياطين بيانٌ لمناسبةِ هذا الدُّعاء المخصوص لهذا المكان المخصوص، هذا آخرُ كلامه (١).
قلت: أمَّا قولُه: يجوز ذكرُ الله تعالى في مكان قضاء الحاجة إذا كان غيرَ مُعدٍّ له؛ كالصحراء، وإن كان معدًّا لها، ففيه خلافٌ بين الفقهاء، وجعلُه حديثَ الحشوش محتضرة بيانًا لمناسبة هذا الدعاء المخصوص في هذا المكان المخصوص، فلا أعلم أحدًا ذكر هذه الجملة من العلماء في الجواز والاختلاف والمناسبة، بل كلهم ذكروا الكراهةَ فيه، حتَّى صرَّح بعضُ العلماءِ في الصحراءِ بالكراهةِ إذا أرادَ قضاءَ الحاجة، وأراد اتخاذَ مكانٍ منه أنَّه يصيرُ حكمُهُ حكمَ المكان المتخذ في البنيان.
ورأيت بعض المتأخِّرين ينقلُ تحريمَ استصحابِ ذكرِ الله تعالى فيه المكتوب، فكيف بالنُّطق به؟، ولم أرَه، لكنَّهم صرَّحوا بالكراهة، سواءٌ كانَ غير قاضٍ حاجتَه، أَمْ على قضائها، ومناسبةُ الاستعاذةِ تقتضي ذلك، أما أنها تقتضي جوازَ ذكرِ الله تعالى فيه، فلا -والله أعلم-.