تقدَّم الكلام على بيع المحاقلة والمزابنة والثمرة قبل بُدوِّ صلاحها.
وأما المُخَابرَةُ، فهي والمزارعة متقاربتان في المعنى، وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع؛ كالثلث والربع، وغير ذلك من الأجزاء المعلومة، لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض، وفي المخابرة يكون البذر من العامل، هكذا قاله جمهور الشافعية، وهو ظاهر نص الشافعي -رحمه الله-، وقال بعض الشافعية وجماعة من أهل اللغة وغيرهم: هما بمعنًى، والمخابرة مشتقة من الخبير، وهو الأكار؛ أي: الفلاح، وهذا قول الجمهور، وقيل: مشتقة من الخبار: وهي الأرض اللينة، وقيل: من الخُبرة، وهي النصيب، وهي بضم الخاء، قال الجوهري: قال أبو عبيد: هي النصيب من سمك أو لحم، يقال: تخبروا خبرة: إذا اشتروا شاة فذبحوها واقتسموا لحمها، وقال ابن الأعرابي: مأخوذ من خيبر؛ لأن أول هذه كان فيها، والله أعلم (١).
أما حكم المخابرة: وهي كراء الأرض بجزءٍ مما يخرج منها؛ كالثلث والربع، فقد اختلف العلماء فيه، وفي كراء الأرض مطلقًا، فقال الشافعي، وأبو حنيفة، وكثيرون: تجوز إجارتها بالذهب والفضة، وبالطعام والثياب، وسائر الأشياء، سواء كان بجنس ما يزرع فيها، أم من غيره، ولكن لا تجوز إجارتها بجزء مما يخرج منها؛ كالثلث والربع، ولا يجوز أن يشترط له زرع قطعة معينة، وقال ربيعة: يجوز بالذهب والفضة فقط، وقال مالك: يجوز بالذهب والفضة وغيرهما، إلا الطعام، وقال أحمد، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وجماعة من المالكية، وآخرون: تجوز إجارتها بالذهب والفضة، وتجوز المزارعة بالثلث والربع وغيرهما، وبهذا قال ابن شريح، وابن خزيمة، والخطابي، وغيرهم من محققي الشافعية، وهو الراجح المختار عند جماعة من المتأخرين، وقال
= نخل، ومسلم (١٥٣٦)، كتاب: البيوع، باب: النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة. (١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١٠/ ١٩٣)، و"تهذيب الأسماء واللغات" له أيضًا (٣/ ٨٣).