الرخصة في نوع خاص، فيبقى فيما عداه على الأصل، وهو عدم الجواز، والله أعلم.
وفيه دليل: على أن الرخصة عامة لجميع الناس؛ الأغنياء والفقراء؛ حيث أطلق الرخصة من غير تقييد بأحد، وهو الصحيح عند الشافعية، ولهم وجه أو قول: أنها تختص بالفقراء؛ لحديث ورد عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: أن رجالًا من الأنصار محتاجين شَكوا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الفاقة، ولا نقدَ في أيديهم يتبايعون به رُطبًا يأكلونه مع النَّاسِ، وعندهم فضول قُوتهم من التمر، فرخَّص لهم أن يبتاعوا العَرَايا بِخَرْصها من التمر (١).
وفيه دليل: على جواز بيع الرطب على النخيل بالرطب على النخيل خرصًا فيها، أو بالرطب على وجه الأرض كيلًا؛ حيث قال في الرواية الأولى:"رَخَّصَ لصاحبِ العرِيَّة أن يبيعها بِخَرصها"؛ فإنه مطلق فيما ذكرنا، لكن رواية مسلم بعدها مقيدة بجواز خرصها تمرًا يأكلونه رطبًا، فدل على أنه لا يجوز بيع العَرِيَّة بالرطب على الشجر ولا على الأرض، وفي المسألة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي:
أحدها: لا يجوز بيع الرطب على الشجر بالرطب على الشجر ولا على الأرض، وهو الأصح؛ لأن الرخصة وردت للحاجة إلى تحصيل الرطب، وهذه الحاجة مفقودة في حق صاحب الرطب.
والثاني: يجوز؛ نظرًا إلى عموم الحاجة إلى أنواع الرطب كأصله.
والثالث: إن اختلف النوعان، جاز، وإلا فلا، ولو باع الرطب على وجه الأرض بالرطب على وجه الأرض، لم يجز، وجها واحدًا؛ لأن أحد المعاني في الرخصة كل الرطب على التدريج طريًّا، وذلك لا يحصل بما على وجه الأرض.
وفيه دليل: على نظر الإمام للمحاويج وغيرهم، والفكر في مصالحهم، وما يحتاجون إليه من أمور دنياهم على وجه الشرع، والله أعلم.
(١) رواه الإمام الشافعي في "الأم" (٣/ ٥٤) بإسناد منقطع.