للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: "وَلا تَبِيعُوا مِنهَا غَائبًا بِنَاجِزٍ"؛ الغائب: المؤجل، والناجز: الحاضر، ومعناه: لا تبيعوا مؤجلًا بحاضر من الذهب بالذهب، ولا من الذهب بالفضة.

وقد أجمع العلماء على تحريم ذلك، وكذلك حكم الحنطة بالحنطة أو بالشعير، وكذلك كل شيئين اشتركا في علّة الرّبا.

أَمّا إذا باع دينارًا بدينار كلاهما في الذمة، ثم أخرج كل واحد الدينار، أو بعث من أحضر له دينارًا من بيته، وتقابضا في المجلس، فيجوز عند الشافعية بلا خلاف؛ حيث إن الشرط عندهم: ألّا يتفرقا بلا قبض، وقد حَصَل وتقدّم هذا في الحديث قبلَه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في اللفظ بعده: "إلّا يدًا بِيَد" بعد قوله: "لَا تَبِيعُوا غَائبًا بِنَاجِزٍ".

وأمّا قول القاضي عياض - رحمه الله -: اتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع أحدها بالآخر مؤجلًا أو غائبًا عن المجلس، فليس كما قال؛ لما ذكرنا من قول الشافعي فيه، واتفاق أصحابه من جواز ذلك، والله أعلم (١).

وقولُه في الرواية الثالثة: "إلّا وَزنًا بِوَزن" إلى آخره؛ هذه الألفاظ: التي هي: الوزن، والمِثْل، والسواء، يحتمل الجمع بينها: التوكيدَ والمبالغة للإيضاح، والمراد: اعتبار التساوي وتوكيده من الشرع، واعتبره الفقهاء بمعيار الشرع وزنًا وكيلًا في الموزون والمكيول، وكذلك في المعدودات المتماثلات، والمذروعات، فيحتمل أن يكون الجمع بينها محمولًا على الكيل والعد فيما عدا الموزون، والله أعلم.

وفي هذا الحديث: تحريم بيع جميع أنواع الذهب بعضها ببعض متفاضلًا.

وفيه: تحريم بيع الغائب منها بالحاضر إذا تفرقا من غير قبض، كما ذكرنا.

وفيه: اشتراط القبض في المجلس، وتقدم مذهب مالك في القبض عقيب


= و"لسان العرب" لابن منظور (٩/ ١٨١).
(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>